أنواع العلم اللدني
فالعلم اللدني ، هو ما يحصل للعبد من العلم من غير واسطة ، فإما أن يكون
بإلهام من الله تعالى وتعريف منه لعبده ، أو من الشيطان والنفوس الخبيثة وهو
على نوعين :
أولاً : علم لدني رحماني إلهي :
فهذا ـ العلم اللدني الرحماني الإلهي ـ حصل للخضر عليه السلام بغير واسطة
موسى ، قال سبحانه وتعالى ـ عن الخضر ـ : { آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من
لدنا علماً } الكهف 65 .
فقد فرق الله تعالى بين الرحمة وبين العلم .. فالرحمة " من عندنا " وأما
العلم " من لدنا " ، فقوله تعالى " من لدنا " أي لم ينل العلم على يد البشر ،
وهي أخص بل وأقرب من قوله " من عندنا " ، ولهذا قال الله تعالى { وقل رب
ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً } الإسراء
80 . فالسلطان النصير الذي من لدنه سبحانه أقرب مما عنده ..
والعلم اللدني الرحماني الإلهي ، ينبت في القلوب الطاهرة من كدر الدنيا
والإنشغال بها ، وعلائقها التي تعوق الأرواح عن بلاد الأفراح .. فإن هذه
الآكدار تحجب وجه مرآة القلب عن الحقائق .. فإذا جليت مرآة القلب بإذهاب
الأكدار صفت وظهرت لها الحقائق والمعارف ..
والعلم اللدني الرحماني الإلهي ، ينبت من القلوب الطاهرة الصافية من الأبدان
التى زكت بطاعة الله تعالى ، ونبتت على أكل الحلال والبعد عن الحرام ، فمتى
خلصت الأبدان من الحرام ، وأدناس البشرية ، وطهرت الأنفس والقلوب من علائق
الدنيا .. ظهرت الحقائق والمعارف .. فإن سقى العبد قلبه وبدنه بماء الشريعة
النبوية أنبت العلم والحكمة والفائدة المقيدة بنور الشريعة المحمدية . بسبب
ثمرة موافقته للشريعة النبوية المحمدية ، والمحبة التي أوجبها التقرب
بالنوافل بعد الفرائض ...
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ " والعلم اللدني ، ثمرة العبودية والمتابعة ،
والصدق مع الله ، والإخلاص له ، وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله .
وكمال الإنقياد له . فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به ، كما قال
على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : وقد سئل " هل خصكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بشيء دون الناس ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة . إلا
فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه " فهذا هو العلم اللدني الحقيقي . " ا.هـ
مدارج السالكين 3 / 382.
ثانياً : علم لدني نفسي شيطاني :
فهذا العلم ـ العلم اللدني النفسي الشيطاني ـ يحصل لزنادقة القوم ، بثمرة
إعراضهم عن الوحي ـ الكتاب والسنة ـ والعبودية والمتابعة إلى تحكيم الهوى
والشيطان .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ " واللدني الشيطاني : ثمرة الإعراض عن الوحي ،
وتحكيم الهوى والشيطان . والله المستعان . " ا.هـ مدارج السالكين 3 / 383
فمطلق العبادة تلتمس من مشكاة النبوة ... تُلتمس من هدي وسنة النبي صلى الله
عليه وسلم . وليس من الإعراض عن الأصليين ـ الكتاب والسنة ـ وعدم التقيد بهما
..
قال الله تعالى ـ في وجوب الإتباع والإقتداء ـ : { فليحذر الذين يخالفون عن
أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم . } النور 63 .
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ " أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله
فما وافق ذلك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان .
كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من
عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول
باطناً وظاهراً " أن تصيبهم فتنة " أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة " أو
يصيبهم عذاب أليم " أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك . " ا.هـ
تفسير ابن كثير 3 / 264 .
وقال الإمام أحمد: " نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين
موضعاً، ثم جعل يتلو: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة } وجعل
يكررها، ويقول: وما الفتنة؟ الشرك؛ لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه
شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه . وقيل له : إن قوماً يدعون الحديث، ويذهبون
إلى رأي سفيان ! فقال: أعجبُ لقومٍ سمعوا الحديث وعرفوا الإسنادَ وصِحتَه
يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره! قال الله تعالى: { فليحذر الذين يخالفون
عن أمره أن تصيبهم فتنة } وتدري ما الفتنة؟ الكفر! قال الله تعالى: { والفتنة
أكبر من القتل }. فيدعون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتغلبهم
أهواؤهم إلى الرأي ؟! " ا.هـ الصارم المسلول لابن تيميه 56
فإذا عرفت ذلك ـ ياعبد الله ـ فأعلم أن هؤلاء النفر أصحاب العلم اللدني
النفسي الشيطاني هم أكذب الخلق وأبعدهم عن الرب .. هم أكذب الخق وأبعدهم عن
الحق .. فلو صدقوا الله لمتثلوا أوامره ولتتبعوا هدي النبي صلى الله عليه
وسلم ... ولم يستبدلوا العلم اللدني الشيطاني الباطني باللدني الروحاني الذي
هو خير منه ، فمتابعة أمر الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ، إنما هي
علامة حاكمة على صدق ومحبة العبد لربه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ..فتحصل
المتابعة، وعلى قدر المتابعة تكون المحبة ...
قال الله تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم
ذنوبكم والله غفور رحيم . قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لايحب
الكافرين } آل عمران 32 .
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من آدعى محبة
الله وليس هو على الطريقه المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع
المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله كما ثبت في الصحيح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
ولهذا قال " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " أي يحصل لكم فوق ما
طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول كما قال بعض العلماء
والحكماء . ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تحب . وقال الحسن البصري وغيره من
السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال " قل إن كنتم
تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " " ا.هـ تفسير ابن كثير 1 / 1 .
فأصحاب العلم اللدني الباطني ، أنما هو علم مخلوط بشبهات المتكلمين .. وآراء
المنحرفين .. وخيالات المتصوفين .. وقياس المتفلسفين .. ومن فارق الكتاب
والسنة ولم يتقيد بهم ضل سواء السبيل ، وإن زعم ألف مرة بلسانه أنه من أصحاب
المعرفة والعلم اللدني .. فمن كان مضيعاً لحدود الله وأدار الشريعة ...
متساهلاً في أوامر الله ونواهيه ... بعيداً عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم
فلا تأمن عليه الفتة والدجل والكذب على الله ورسوله ليضل العباد عن طريق
الصراط ...
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ " وأما علم من أعرض عن الكتاب والسنة ،
ولم يتقيد بهما : فهو من لدن النفس والهوى ، والشيطان ، فهو لدنى .لكن من لدن
من ؟ وإنما يعرف كون العلم لدنياً رحمانياً : بموافقته لما جاء به الرسول صلى
الله عليه وسلم عن ربه عز وجل . فالعلم اللدني نوعان : لدني رحماني ، ولدني
شيطاني بطناوي . والمحك : هو الوحي ، ولا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم . " ا.هـ مدارج السالكين 3 / 382 .
وبالتالي فمن أعرض عن الأصليين ـ الكتاب والسنة ـ واستبدل العلم اللدني
النفسي الشيطاني بالعلم اللدني الرحماني الإلهي الذي هو خير منه واتبعه ،
فهذا كفر صريحة مخرج عن الإسلام .
قال العلامة الجهبذ ابن القيم ـ رحمه الله ـ على من يستدل بجواز الإستبدال
بقصة موسى مع الخضر ـ : " وأما قصة موسى مع الخضر ـ عليهما السلام ـ :
فالتعلق بها في تجويز الإستغناء عن الوحي بالعلم اللدني إلحاد ، وكفر مخرج عن
الإسلام ، موجب لإراقة الدم .
والفرق : أن موسى لم يكن مبعوثاً إلى الخضر . ولم يكن الخضر مأموراً بمتابعته
. ولو كان مأموراً بها لوجب عليه أن يهاجر إلى موسى ويكون معه . ولهذا قال له
" أنت موسى نبي بني إسرائيل ؟ قال : نعم " ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث
إلى جميع الثقلين . فرسالته عامة للجن والإنس ، في كل زمان : ولو كان موسى
وعيسى عليهما السلام . حيين لكانا من أتباعه وإذا نزل عيسى ابن مريم عليهما
السلام ، فإنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
فمن آدعى أنه مع محمد صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى . أو جوز ذلك لأحد
من الأمة فليجدد إسلامه ، وليشهد شهادة الحق . فإنه بذلك مفارق لدين الإسلام
بالكلية . فضلاً عن أن يكون من خاصة أولياء الله . وإنما هو من أولياء
الشيطان وخلفائه ونوابه . فهذا مقطع ومفرق بين زنادقة القوم ، وبين أهل
الإستقامة منهم ، فحرك تره . " ا.هـ مدارج السالكين 3 / 383 .
والحمد لله رب العالمين
--------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق