الحكيم أرسطو طاليس (عليه السلام)
*.الحمد لله الذي قسم البريّة كيف شاء فانفرد بكل ما فعله كما أحبَّ و جعل ما
في السماء دائم الحركة و ثبت له في ذلك القوة التي لا يقاسُ إليها شيء , و
جعل حركة الكواكب لاظهار كيفيات ما في العالم و صيّر التغيُّر والانقلاب على
حالة واحدة , و قوم بعضاً من بعض , و أحالَ بعضاً إلى بعض , فكلُ بيده و من
عنده , لا نقص لما أثبته , ولا دوام لما فرّقه .
· *
*الحمد لله الذي سبق الكيفية والماهية , و تعالى عن جميع الأينيات و
المحدودات والموصوفات, , فأنشئ به كل موصوف و أعيد كل المتجانسات . الذي
أظهر اشتراك الأشياء و اتفاق ما أنشأ بتوحيده و انفراد قدرته , و أثبت
اختلاف البريّة بقوته و سعة قدرته , لا مثال لقدرته و لا قرين لقوته , و لا
أمدَ لملكه و لا زوال لربوبيته و لا معاند لأمره و لا خلل في خلقه . أحكم
البريّة و زيّن بأجمل الأمور الخلقة : فما شاء يبقى بقى , و ما شاء أن يفنى
فنى . فمُضيُّ الأشياء دالٌ على قوته و انقلابها دالٌ على قدرته . فكل المدح
دونه و كل القياسات منحطة عن جلاله . ارتفع عن التوهم و علا على كل ممدوح
فله الحمدُ كما هو أهله .
· الشكر واجب لله تعالى و المنُّ له سبحانه على البريَّة و الطول من عنده إياه
أحمد و هو ملجأي , و به أستعين على المهم في كبير أمري و صغيره ,و شكري له
شكر من يعرف مننه عليه و لا يحصي نعمه لديه و من يقول : إنه واحدٌ لا أول له
و لا زوال لملكه . أنشأ الخليقة لا من موجودات , و أحدثها لا من متقدمات .
خلق الرؤوس الأوائل كيف شاء , و برأ الطبائع الكلية من تلك الرؤوس على ما
شاء .*
*· الحمد لله الذي اختبر عباده بأقل من مقدار الطاقة و أمرهم بما لهم فيه
الحظوة الذي بنعمته على خلقه و رحمته و رأفته , و صرف عنهم البلاء على غير
استحقاق منهم . و الحمد لله الذي صيَّرني بنعمه على ممن يشكره و يعرف إحسانه
و فضله , الذي ملك المعرفة و العقل , و أذلّ الجهل و المعاندة . إياه اعبد و
أشكر , و به أستعين و عليه أتوكل – و بذلك أرجو السلامة و التوفيق .
· ليس الآمر بالخير بأسعد به من المطيع , و لا المتعلم بأسعد من المعلم له
, و لا الناصح أولى من المنصوح , إن أفضل ما أنت تاركٌ من هواك ما أنت مصيبٌ
من لذته و السرور به . و أفضل ما يقسم للناس من معايشهم في الدنيا إن
الواهب لم يرض لنفسه من الناس إلا بمثل الذي رضي لهم به منه : فإنه رحمهم و
أمرهم بالتراحم و صدقهم و أمرهم بالتصادق و جاد عليهم و أمرهم بالجود و عفا
عنهم و أمرهم بالعفو فليس قابلاً إلا مثل الذي أعطاهم و لا آذنٌ لهم في خلاف
ما أتى إليهم .
· اعلم إنه لا شيء لك إلا ما نلت من جميل الذكر و رضوان الخالق تعالى ذكره
فإنك إن وثقت به في حقه عليك وقاك شرّ من دونه .
· اعلم أنك غير مستصلح رعيتك و أنت فاسد . و لا مرشدهم و أنت غاوٍ و لا
هاديهم و أنت ضالٌ . فكيف يقدر الأعمى أن يُهدي و الفقير أن يُغني , و الذليل
أن يُعز , و الضعيف أن يُقوي ! و اعلم أنه ما استصلح المستصلح غيره إلا بصلاح
نفسه , و لا أفسد المفسد سواه إلا بفساد نفسه فإن رغبت في صلاح من وليت
أمره فابتدئ بصلاح نفسك . و إن أردت دفع العيوب عن غيرك فطهر منها قلبك ,
فإنك لا تقدر على تطهير غيرك و قد دنست نفسك كبعد المتطبب من إبراء غيره من
دائه مثله , و لا تُرك ذاتك أنه إذا أحسنت القول دون الفعل فقد أبلغت إلى
السامعين منك دون أن يصدق قولك فعلك و تحقق سريرتك علانيتك .
· إذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم تكن له قناعةٌ فليس المالُ
مغنيه و إن كثُر .*
*· اعلم أن من علامة تنقل الدنيا و كدر عيشها أنه لا يصلح منها جانبٌ إلا
بفساد جانب آخر , و لا سبيل لصاحبها إلى عز إلا بإذلال , و لا استغناء إلا
بافتقار . و اعلم أنها ربما أصيبت بغير حزم في الرأي و لا فضلٍ في الدين .
فإن أصبت حاجتك منها و أنت مخطئ , أو أدبرت عنك و أنت مصيب فلا يستخفك ذلك
إلى معاودة الخطأ و مجانبة الصواب .
*
*· لا تضنن على الناس بما ترغب فيه و لا تأت إليهم ما تكره أن يؤتى إليك و
قاتل هواك و أقصر رغبتك و اكفف شهوتك و احلل الحقد من فؤادك و طهّر من الحسد
قلبك و اقبض إليك أملك فإن بسط الأمل مقساة للقلب و مشغلة عن الميعاد . و
ليكن ما تستعين به على إطفاء الغضب علمك بأن الزلل لا يخلو منه أحدٌ و به
وقع صاحبك .*
*· احذر الشهوات و ليكن ما تستعين به على كفها عنك علمك بأن الشهوات مذهبة
لفضلك مهجّنة لرأيك , شائنة لعرضك شاغلة لك عن عظيم أمرك لأنها لعب و إذا
حضر اللعب غاب الجد , و لا يقوم الدين و لا تصلح الدنيا إلا بالجد . و إن
نازعتك نفسك إلى الشهوات و اللهو فإنها قد نزعت بك إلى شر منزلةٍ فغالبها
أشد مغالبة و امتنع منها أشد الامتناع . و ليكن مرجعك منها إلى الحق فإنك
متى تترك شيئاً من الحق فلا تتركه إلا إلى الباطل و مهما تترك من الصواب
فإنما تتركه إلى الخطأ . فلا تداهن هواك باليسير فيطمع منك في الكثير و لا
يرحبنّ بمقارفة صغير الخطأ فإن لكل عملٍ ضراوةٍ و متى تعوذ نفسك القليل تعدل
بك إلى الكثير .
*
*لا تبطل عمراً في غير نفع , و لا تضع لك مالاً في غير حق و لا تصرف لك قوة
في غباوة , و لا تعدل لك رأياً في غير رُشد . فعليك بالحفظ لما أتيت من ذلك و
الجد فيه و خاصةً في العمر الذي كل شيء مستفادٌ سواه فإن كان لا بد لك من شغل
نفسك بلذة فلتكن في محادثة العلماء و درس الحكمة .
*
*إياك والكذب فإن الكذاب لا يكذب إلا من مهانة نفسه و سخافة رأيه و جهالةٍ
منه بعواقب مضرة الكذب عليه . و اعلم أن أقل ما ينزل بالكذاب إذا عُرف به أن
يقول فلا يُصدق وهو صادق و لا يُحكم و هو عادل , و لا يُبرأ و هو نظيف . *
*· اعلم أن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار حين يلتقون كسرعة اختلاط ماء البحر
بالمطر وبُعد الفَجَرة من الائتلاف و إن طالت معاشرتهم كبعد البهائم من
التعاطف وإن طال اعتناقها . *
*العدل ميزان الله عز وجل في أرضه و به يؤخذ للضعيف من القوي و للمحق من
المُبطل,. فمن أزال ميزان الله عما وضعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة و
اغتر بالله سبحانه أشد الاغترار . *
*, العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن
عالماً .
ليس طلبي للعلم طمعاً في بلوغ قاصيته ولا استيلاء على غايته , و لكن التماساً
لما يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه . *
*·استعن على أمورك بخلتين إحداهما تألف الأهواء والأخرى التثبت في الأمور . *
*الحكمة رأس التدبير وهي سلاح النفس و مرآة العقل, وبها تذلُّ المكروهات و
تعز المحبوبات ,ما أحسن رأي من حقق في طلبها ! و ما أبهى نتائج الحكمة في
النفس و هي رأس الممدوحات و أصل المفاخر, وكفى بالحكمة قدراً أن في حجة من
رام إبطالها تثبيتها , وقوله إن الحكمة باطل موجبٌ لها أنها حق . وكفاها
فضلاً أن الجهل ضدها و خلافها , و هو الذي ينتفي الناس كلهم منه و يتدافعونه
أجمعون . بها تنال الدنيا حق المنالة. و هي الفائدة إلى فوز العاقبة . و
بها تنجو النفس من العذاب . *
*أول منازع النفس الذِكر(أي بمعنى أن يذكرك الناس ويفاخروا بك), والرياسة
تُنتج حبَّ الذِكر فإن طُلبت من غير جهتها انتجت الحسد ,. والحسد ينتج الكذب
والكذب هو أصل , و نتيجة الكذب في النفس النميمة و النميمة تنتج البغضاء ,
والبغضاء تنتج الجور والجور ينتج التصادم والتصادم ينتج الحقد و الحقد ينتج
المنازعة و المنازعة تنتج العداوة و العداوة تنتج المحاربة و تفنى العمارة
. و ذلك يؤول إلى مخالفة فعل الطبيعة و مخالفة فعل الطبيعة فساد الأمر كله .*
*اطلب الغنى الذي لا يفنى والحياة التي لا تتغير والملك الذي لا يزول
والبقاء الذي لا يضمحل .
· أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعاً لك وكن رؤوفاً رحيماً و لاتكن رأفتك و
رحمتك فساداً لمن يستحق العقوبة و يصلحه الأدب .خذ نفسك بإثبات السنة فإن
فيها كمال التقى . *
*· إياك والبغي فإن فيه هتك القوة و إياك و العجب فإنه يفسد كبير الفضل,
واعلم أن البذخ رأس الفشل . *
*· صيّر دنياك وقاية لآخرتك , وصير آخرتك وقاية لدنياك, برَّ أهلَ التقوى
المشهورين بالزهد وقدّم مجلس من كان معروفاً بالورع واقض حوائج العامة بهم,
·اعلم أن العلم زين الملوك و دليل ذلك أن يسلم الناس من جورك و يحمدوك و
تسلم آخرتك .
· اطلبوا الدنيا لتُصلحوا بها الآخرة و لا تطلبوها لتصلح هي فما أقل اللبث
فيها و أسرع الانتقال عنها فقد أصبحتُ فيها غير راغب و منها على وجلٍ و أنا
أسأل الله الخالق أن يسلمني من الدنيا و أن يسلم أهلها مني الأردياء
ينقادون بالخوف و الأخيار ينقادون بالحياء فميز بين الطبقتين و استعمل
في.أولئك الغلظة و البطش و في هؤلاء الإفضال و الإحسان إليهم .
·
,رغبتك فيمن يزهد فيك ذل نفسٍ وزهدك فيمن يرغب فيك قصر همة . الجاهل عدوٌّ
لنفسه فكيف يكون صديقاً لغيره.
· الصالح هو كل ما إذا هو أتى إليك أصلحك والسيء كل ما إذا هو أتى إليك , و
إذا كان المصلح أيضا يصلح منك ما أنت حقيقٌ بحبه فلا يسخطك عليه إفساده منك
ما أنت حقيقٌ ببعضه .*
*· إذا كانت الحكمة هي خير الدنيا و كان ثوابها هو خير الآخرة فأحق ما وجهت
إليه همتك الحكمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق