السبت، 15 ديسمبر 2012

كنفوشيوس

                                   الكنفوشيوسيه: عرض نقدي مقارن   
*الكنفوشيوسيه: عرض نقدي مقارن

كنفوشيوس : ولد سنة 551 ق. م في مدينة "تشو - فو" إحدى مدن "لو " الصينية .
وعاش فقيرا، حيث مات والده وهو ابن ثلاث سنين فربته والدته، فكان يدرس
ويعمل بعد الفراغ من المدرسة ليساعد على إعالة والدته . واشتغل في سن
الثالثة والعشرين بالتعليم، واتخذ داره مدرسة له.تعرض للتشرد والإبعاد
نتيجة اشتغاله بالسياسة، وطلبه المناصب، حيث رأى حروباً وفوضى سياسية اعتقد
أنه لا حل لها إلا من خلال حكومة صالحة تطبق مبادئ الفلسفة لتسيير دفة
الحكم، ولما بلغ كنفوشيوس التاسعة والستين من عمره، وقضى كنفوشيوس الأعوام
الخمسة الاخيره من حياته، يعيش حياة بسيطة معززا مكرما، قضى معظم وقته في
عزلة أدبية، منصرفا إلى نشر الكتب الصينية وكتابة تاريخ الصينيين. مات
كنفوشيوس في الثانية والسبعين من عمره.
كتب كنفوشيوس : مات كنفوشيوس وخلف وراءه خمسة مجلدات يقال إنه كتبها بنفسه،
وتعرف في الصين باسم " الجنجات الخمسة" أو "كتب القانون الخمسة"، وهذه
الكتب هي :
1 / اللي - جي أو سجل المراسم وهو كتاب يشتمل على القواعد القديمة من آداب
اللياقة، والأسس الدقيقة لتكوين الأخلاق ونضجها، بما يساعد على استقرار
النظام الاجتماعي .
2 / كتب ذيولا وتعليقات على كتاب "إلاي - جنج" أو "كتاب التغيرات" وموضوعه
علم ما وراء الطبيعة، رغم حرصه على ألا يلج بفلسفته إلى هذا المجال
المستعصي على عقل الإنسان وحسه .
3 / كتاب "الشي - جنج" وهو كتاب أناشيد قام بترتيبه وتبويبه، كما شرح فيه
كنه الحياة ومبادئ الأخلاق الفاضلة .
4/كتاب "التشو - شيو" وهو كتاب تاريخ سجل فيه أهم الأحداث التي وقعت في
مدينته "لو" .
5/الشو - جنج" وهو كتاب تاريخ آخر ولكنه أشمل، حيث جمع فيه أهم وأرقى ما
وجده في حكم الملوك الأولين من الحوادث والقصص .ويضيف الصينيون إلى هذه
الكتب الخمسة أربعة كتب أخرى، هي مما ألفها مريدوا مريديه، إلا أنها سجلت
في إيجاز ووضوح منقطعي النظير آراء وأقوال كنفوشيوس كما ذكرها أتباعه، وقد
جمعت تلك الكتب بعد عشرات السنين من وفاته .
أفكار كنفوشيوس
الأخلاق والسياسة: ترتكز فلسفة كنفوشيوس في إصلاح المجتمع على إصلاح الفرد،
فهو يرى أن في صلاح الفرد صلاح لأسرته، وصلاح الأسرة صلاح للمجتمع قاطبة.
ويرى أن وظيفة الحاكم أن يحكم الناس بالعدل، ولتحقيق العدل يوجب على الحاكم
أن يمثل القدوة الصالحة لشعبه في الأخلاق والسلوك الحسن، ويوجب عليه أن
أيضا أن يولي ولاياتهم وأن يوكل أعمال الحكم للصالحين لتستقيم الأمور،
ويحذر كنفوشيوس الحاكم من احتكار الثروة في أيدي المتسلطين، فيوجب عليه أن
يوزعها ففي توزيع الثروة جمع شتات الشعب، ويوجب على الحكام كذلك أن ينشطوا
في نشر العلم لأن التعليم إذا انتشر انعدمت الفروق بين الطبقات .
ويوجب على الحكومة أيضاً أن تغرس الأخلاق الطيبة بين الناس، ذلك أن الأخلاق
إذا فسدت فسدت الأمة معها. وآداب اللياقة هي التي تكون على الأقل المظهر
الخارجي لأخلاق الأمة .
ويوجب على الحكومة كذلك توفير الأمن الغذائي والأمن القومي لشعبها وأن تزرع
الثقة فيها في نفوس شعبها حتى تحصل الموائمة بينها وبينه، فيعم النظام
ويشيع الوئام .
وأما نظريته في الأخلاق فلا تقل أهمية عنده عن السياسية وشئون الحكم، بل إن
بينهما تداخلا لا يخفى، فالسياسة في المحصلة هي وظيفة أخلاقية يكون فيها
الحاكم هو المثال الخلقي لشعبه، وقد ألّف كنفوشيوس كتبا في الأخلاق، وحتى
كتب التاريخ كان يذكر فيها قصصا يحض فيها على الأخلاق الكريمة .
الطقوس والعقائد : أما جانب الطقوس والعقائد فلم يأت بشيء من عنده إلا أنه
كان حريضا على تقليد أهل عصره في ذلك، وكان يحث تلاميذه ألا يغفلوا عن
الطقوس والمراسم التقليدية في عبادة الأسلاف وتقديم القرابين لمعبوداتهم،
إلا أنه كان يتجنب البحث فيما وراء الطبيعة، ويحاول أن يصرف عقول أتباعه عن
أمور الغيب، فكان إذا وجه إليه سؤال في أمور الدين أجاب إجابة سلبية،
فعندما سأله بعض تلامذته قائلا : هل لدى الأموات علم بشيء أو هل هم بغير
علم " أبى أن يجيب جوابا صريحا . وعندما سأله آخر عن " خدمة الأرواح " (
أرواح الموتى ) أجابه " إذا كنت عاجزاً عن خدمة الناس فكيف تستطيع أن تخدم
أرواحهم ". وسأله آخر قائلا : "هل أجرؤ على أن أسألك عن الموت" فأجابه:"
إذا كنت لا تعرف الحياة فكيف يتسنى لك أن تعرف شيئا عن الموت".
الديانه الصينيه: وهكذا فأن كنفوشيوس لم يكن يُعنى كثيرا بمسائل الغيب
والطقوس والشعائر، ولكنه لم يكن يعارض ما يمارسه الصينيون من تلك الشعائر
والطقوس، بل كان يحث عليها على اعتبار أنها تشكل الوحدة الثقافية للصينيين
قاطبة. أما الديانة الصينية فقائمه على
1. يعتقد الصينيون بالإله الأعظم إله السماء، ويسمونه بالشانج - تي أي
القوة العليا المسيطرة على العالم، ويقيم له الإمبراطور احتفالاً سنوياً تقدم
فيه القرابين
2. يعتقد الصينيون أيضاً بأن للأرض إلهاً . كما أن الشمس والقمر والكواكب
والسحاب والجبال .. لكل منها إله
3. يتوجه الصينيون أيضا بالعبادة إلى أرواح آبائهم وأجدادهم وأسلافهم،
ويرون أن لأولئك الأموات أرواحا تضر وتنفع .
4. يؤمنون بأن ثمة أرواح خبيثة ترفرف من حولهم، لذلك يحرصون على رد عداوتها
بالأدعية والرقى السحرية .
5. يؤمنون بالسحر والتنجيم، وكانوا يستأجرون المتنبئين ليكشفوا لهم عن
مستقبلهم من أصداف السلاحف أو حركات النجوم، ويستأجرون السحرة ليوجهوا
منازلهم نحو الريح والماء، والعرّافين ليستنزلوا ماء الأمطار. وكانوا يعرضون
للموت من يولد لهم من الأطفال في أيام " النحس ".
6. يقرب الصينيون في كل يوم قرباناً متواضعاً - ويكون في العادة شيئاً من
الطعام – للموت ويرسلون الدعوات الصالحات إلى أرواحهم
.تقويم ومقارنه
ا/ الإسلام
أوجه الاتفاق: كنفوشيوس جاء كمصلح اخلاقى ولم يدعى النبوة، وقد دعا إلى
العديد من القيم الاخلاقيه التي دعا إليها الإسلام كاتفاق القول والعمل(كبر
مقتا عند الله أن تقولوا مالا تعلمون )وعدم جرح الناس بالكلام( ولو كنت فظا
غليظ القلب لانفضوا من حولك) وعدم المحسوبية (ولا تأكلوا أموال الناس
بالباطل لتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس )(البقرة:188)
أوجه الاختلاف :ولكن موقفه السلبي من تعدد الالهه أدى إلى تحول
الكنفوشيوسيه في مراحل تاليه إلى ديانة تكرسي لتعدد الالهه فضلا عن تاليه
كنفوشيوس نفسه لتتناقض هنا مع التوحيد في الإسلام.
ب/الفلسفة اليونانية: وللكنفوشوسيه الاسبقيه في القول بالعناصر الخمسة
(الخشب المعدن الماء النار التراب) بينما قالت الفلسفة اليونانية قبل سقراط
بالعناصر الاربعه(الماء النار التراب الهواء )كما دعي كنفوشيوس إلى مدينه
فاضلة شان أفلاطون لكن دعوته كانت واقعيه بخلاف أفلاطون الذي كان خياليا في
دعوته..

نظرية الوجود

 نظريه النفس عند ابن سينا   
------------------------------------------------------------------------
*نظريه النفس عند ابن سينا
نظرية الوجود:
أ) الإنسان
:النفس:تعريف النفس:يأخذ ابن سينا بتعريف أرسطو للنفس بأنها (كمال أول، جسم
طبيعي، آلي، ذو وجود بالقوة).
كمال أول: يقصد أرسطو بالكمال الفعل، فالوجود عنده بالقوة (إمكانية
كالبذرة) أو وجود بالفعل (تحقق كالشجرة). لكن الوجود بالفعل الذي يتعلق به
الكمال ينقسم إلى وجود بالفعل الأول (أي أولى درجات تحقق الوجود كالشجرة
قبل أن تثمر) وهو الكمال الأول، ووجود بالفعل الثاني (أي آخر درجات تحقق
الوجود كالشجرة المثمرة) وهو الكمال الثاني. وبالتالي فإن المقصود بأن
النفس كمال أول وأن وجودها بالفعل الأول أي في أول درجات تحقق درجات الوجود
أنها صالحة لتأدية وظائفها دون أن تؤدي هذه الوظائف فعلاً (مثل تعلم العلم
دون العمل به).
جسم طبيعي: ثم انتقل إلى بيان خصائص الجسم الذي هو أداة لهذه النفس فحدد
أول خصيصة له بأنه طبيعي أي أن حركته ذاتية (مصدرها النفس) بخلاف الحركة
الآلية التي مصدرها مؤثر خارجي
.آلي: أي أن الجسم بمثابة الآلة للنفس وأن أعضاؤه بمثابة آلات لتأدية وظائف
النفس
.ذو وجود بالقوة: إذا كان وجود النفس بالفعل (الأول) فإن الجسم ذو وجود
بالقوة أي إمكانية والنفس هي التي تنقل هذا الجسم من القوة إلى الفعل (أي
من الإمكانية إلى التحقق)
من أين جاءت النفس: إذا كان ابن سينا قد أخذ من أرسطو الإجابة على السؤال
ما هي النفس فإنه قد أخذ من أفلاطون الإجابة على السؤال من أين جاءت النفس
لاعتقاده أن هناك اتفاق بين أفلاطون والدين في الإجابة على هذا السؤال، حيث
يرى أن النفس كانت موجودة قبل وجود بدنها في عالم علوي قم هبطت إليه بعد
اكتما الجسم المستعد لقبولها كما في قصيدته العينية التي يشبه فيها النفس
بحمامة حبست في قفص وتحن إلى التحرر من شجنها والعودة إلى الحرية.وهبطت
إليك من المحل الأربع ورقاء ذات تعزز وتمنع
أدلة وجود النفس:ثم يورد ابن سينا مجموعة من الأدلة لإثبات وجود النفس منها:
البرهان الطبيعي، البرهان النفسي (السيكولوجي) برهان الاستمرار برهان وحدة
النفس وسنورد هنا برهان الإنسان المعلق في الفضاء لأنه من ابتكاره، ومضمونه
أنه لو فرض أن إنساناً خلق في الفضاء دفعه واحدة ولم يحس بوجود أعضاءه وضعت
وضعاً يحول دون تماسكها، وترك يهوي في فضاء لا هواء فيه حتى لا يكون لديه
فكرة ما عن الجسم ولو فرض أن تخيل يداً أو رجلاً فلا يظنها يده ولا رجله،
ولكن رغم هذه الشروط كلها فإنه سيظل يحس بذاته، وأنه موجود، وما ذلك إلا
إثبات للنفس وأنها غير البدن.
خلود النفس: ويرى ابن سينا أن النفس وإن كانت مع البدن فإنها لا تفسد
بفساده، إذ هو ليس علة لها فالنفس ذات روحانية بسيط غير مركبة وبالتالي غير
قابلة للفساد والانحلال.
قوى النفس:ويقسم ابن سينا النفس إلى ملكات أو بتعبيره إلى نفوس "حسب مراتب
الحياة الثلاثة النبات والحيوان والعاقلة. وبرى أن للنفس النباتية ثلاثة
قوى: غازية ) التغذي) ونامية (النمو) ومولدة (التناسل)..وللنفس الحيوانية
بالإضافة إلى قوى النفس النباتية قوتان: محركة (الحركة) ومدركة
(الإدراك).وللنفس الناطقة (الإنسانية) بالإضافة على قوى النفس النباتية
والحيوانية قوتان: عملية(السلوك) ونظرية (التفكير)
.تقويم:جاءت نظرية ابن سينا في النفس محاولة لإقامة نظرية إسلامية في النفس
تأخذ من كل أرسطو وأفلاطون بمعنى آخر فإن معيار الأخذ أو الرفض من كل من
أرسطو وأفلاطون كان ما يراه ابن سينا موافقاً أو مخالفاً للدين الإسلامي، حيث
نجده يأخذ من أرسطو تعريفه للنفس ويرفض الأخذ بالإجابة على السؤال من أين
جاءت النفس لأن أرسطو ينكر خلود النفس هو ما يخالف الدين ويلجأ إلى أفلاطون
في الإجابة على هذا السؤال لاعتقاده أن هناك اتفاقاً بينه وبين الدين
الإسلامي قائلاً أن التصور الأفلاطوني يقوم على فصل النفس عن الإنسانية عن
البدن وأولويتها عليه بينما التصور الإسلامي قائم على وحدة النفس والبدن
 

رأيت ربي بعين قلبي

                                               رأيت ربي بعين قلبي


  
شَرْحُ أَبْيَاتٍ فِي التَّصَوُّفِ

للإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي الحسني
( 832 ـ 895هـ)




بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله



قال الشيخ السنوسي رحمه الله تعالى

هذا تعليق على قول بعض السادات ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ



رَأَيْتُ رَبِّي بِعَيْنِ قَلْــبِي ::: فَقُلْتُ لاَ شَكَّ أَنْتَ أَنْـتَ

أَنْتَ الَّذِي حُزْتَ كُلَّ أَيْنٍ ::: فَحَيْثُ لاَ أَيْنَ ثَمَّ أَنْــتَ

وَلَيْسَ لِلْأَيْنِ مِنْكَ أَيْــنٌ ::: فَيَعْلَمُ الأَيْــنُ أَيْنَ أَنْتَ

وَلَيْسَ لِلْوَهْمِ فِيكَ وَهْـمٌ ::: فَيَعْلَمُ الوَهْـمُ كَيْفَ أَنْتَ

أَحَطْتَ عِلْمًا بِكُلِّ شَيْءٍ ::: وَكُلَّ شَيْءٍ تَــرَاهُ أَنْتَ

فَمُنَّ بِالعَفْوِ يَا إِلَــهِي ::: فَلَيْسَ أَرْجُو سِوَاكَ أَنْـتَ


الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله .

قوله: (رَأَيْتُ رَبِّي بِعَيْنِ قَلْبِي)

يعني: عرفته بوجوده وما يَجِبُ له وما يَسْتَحِيلُ وما يَجُوزُ ببصيرة قَلْبِي التي هي
عَيْنُ القَلْبِ،

وهو الجُزْءُ منه الذي يَقُومُ به العِلمُ والفِكرَةُ المُضيئةُ الصَّحيحة .

وقوله: (فَقُلْتُ لاَ شَكَّ أَنْتَ أَنْتَ)

يعني: فقلت بقلبي لمّا أن عَرفْتُه بالبرهان القاطع ، وتميَّزَ لي عن كل ما سواه:
لا شكَّ ولا رَيْبَ أنت يا مولاي هو الموصوفُ

بهذه المحاسن التي أبْصَرَتْهَا بالبرهان عَيْنُ قَلبِي.

وإنما رَتَّبَ القَوْلَ على رؤية القلب ـ وهي معرفتُه بالله تعالى ـ تنبيهًا على أنّ
حصول الإيمان هو عند حصول المعرفة؛

لأنّ الإيمانَ ـ على الأصح ـ هو حَدِيثُ النَّفْسِ التابِعِ للمعرفة، لا نَفْسُ المعرِفَة
خلافًا للشيخ الأشعري.

ويحتمل أن يكون مرادُه برؤية عَيْنِ القَلْبِ المَعرِفَةُ الذوقِيَّةُ التي هي آخر مَقامَاتِ
السالكين، فيكون حينئذ معنى قوله

: "أَنْتَ أَنْتَ" أي: أنتَ الآن بحَسَبِ المَعرِفة الذوقية هو أنْتَ أوَّلاً بحسب المَعرِفَة
الرسمية التي أنتجتها البراهين العقلية؛

إذ علامةُ صِحَّةِ الذَّوْقِ أن يَجْرِيَ على وِفْقِ ما شَهِدَ به العِلْمُ الرَّسْمِي،

ولهذا يستعيذُ المؤمنون في الآخرة من الصورة التي تظهر لهم في الموقف على
صفة الحوادث فتقول أنا ربُّكم،

فيقولون: هذا مكانُنا حتى يأتينا ربُّنَا أو حتى يظهر لنا على الصفة التي
عرفناه بها من التنزُّهِ عن سمات الحوادث

كلها ، ولهذا لمّا رأوه على ما يَجِبُ له تعالى خَرُّوا سُجَّدًا،

وتلك الفتنةُ في الآخرة هي آخر الفِتَنِ التي يَظْهَرُ بها المُؤمن العارِفُ بما يَجِبُ
لمولانَا وما يَجُوزُ وما يَسْتَحِيلُ من غيره ،

ولا يَسْلَمُ من ضَرَرِ تلك الفتنة إلا من أتْقَنَ عقائِدَهُ في هذه الدار قبل موته
وأُسْعِدَ بالممات على ذلك،

نسأل الله سبحانه السلامَةَ من شرِّ كل مِحنَةٍ دُنيَا وأُخرَى بجاهِ سيدنا ومولانا
محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله: (أَنْتَ الَّذِي حُزْتَ كُلَّ أَيْنٍ)

أي: أنت الذي أحطت بكل مكانٍ من العوالم عِلْمًا ومُلْكًا وتَدبِيرًا، أي كُلُّ العوالِم

وكل جزءٍ منها لا يشارِكُك في مُلْكِهَا ولا تدبِيرِها أَحَدٌ عُمومًا؛

لأن كل جُزْءٍ من أجزاء العوالم يَصْلُحُ أن يكون مَكانًا لجُزءٍ آخر ليستَقِرَّ عليه ،

فالأَيْنُ إذًا صادِقٌ بكل جُزءٍ من أجزاء العوالِم،

فحَوْزُهُ لكلِّ أَيْنٍ بالمُلْكِ والتدبير والعِلْمِ والقَهْرِ، وهو معنى مُلْكِهِ لكل العوالم
وتدبيره لشؤونها، والله تعالى أعلم.

قوله: (فَحَيْثُ لاَ أَيْنَ ثَمَّ أَنْتَ.)

أشار بـ"ثَمَّ" إلى المرتبة التي تُنَزَّهُ عن الأَيْنِ، وهي مَرتَبَةُ الإلَهِ الحَقِّ الذي
يستحيل عليه الجِرْمِيَّةُ والعَرَضِيَّةُ الملزومين لقبول الأَيْنِ،

وهي التي أراد أيضا بقوله: "حَيْثُ"، أي: أنت يا مولاي في المَرتبة التي تُنَزَّهُ
عن الجِرْمِيَّة والعَرَضِيَّة وقَبُولِ الأَيْنِ

الذي هو من خواصِّ العوالِم الحادِثة التي حُزْتَ جميعَها خَلْقًا ومُلْكًا وتَدبِيرًا،

فكيف يمكن أن تكون يا مولاي في مرتبة تُشْبِهُ مُلكَك؟! فأنت إذًا يا مولاي في
مرتبة لا يَصِحُّ فيها أَيْن،

وهي مَرتَبَةُ كونِكَ الواحِدُ الأحد الفَرْدُ الصَّمَد الذي لم يلد ولم يُولَد ولم يكن له
كُفؤًا أحد،

ولهذا أشار إلى هذه المنزلة العديمة المثال.

قوله: (وَلَيْسَ لِلْأَيْنِ مِنْكَ أَيْنٌ.)

يعني: إنك يا مولاي لمّا تنزَّهْتَ عن التَّحَيُّزِ وصفات الأَجْرَامِ من قَبُول الأَيْن
والجِهَات، لم يَكُن للأَيْنِ منك أَيْن،

أي: لم يَكُن للفظ الأين منك أينٌ ولا لمعناه، والسؤال به من جهة جلالك مُحال،
ولا يُسَلَّمُ الكلامُ الذي يُقَالُ فيه: أين أنت؟

بل يُعتَرَضُ ذلك الكلام ويُبْطَل، إلا أن يريد به صاحبُه غير معنى الأين الحقيقي،

وينصب قرينةً على مراده، كقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ للسوداء: «أين الله؟» ،

فإنه قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذلك اختبارًا لها هل هي من المشركات
والمشركين

الذين يعبدون الأصنام التي محلُّهَا في الأرض ووُجِدَ تعظيمُها فيها فقط، فأجابت هي

بأنّ معبودها ليس الذي يُعظَّمُ في الأرض فقط ـ وهي الأصنام ـ،

وإنما معبودُها الله، في السماء لا يعظَّمُ فيها غيره، بخلاف الأرض فإنه قد عُبِدَ
فيها مولانا ـ جَلَّ وَعَلاَ ـ

وعُبِدَ فيها غَيرُه، ولهذا لم تُشِرْ إلى الأرض لِمَا في ذلك من اللَّبْسِ

لاختلاط المعبود الحَقِّ فيها بالمعبودات الباطلة في العبادة، ولا كذلك السماء،

فكأنها أجابت بأنَّ معبودَها اللهُ الذي تَعبُدُه الملائكةُ في السماء وَحدَه، كما
قال تعالى:

?وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ?[الزخرف:84] أي معبودٌ فيهما،

وقدَّمَ السماءَ لشَرَفِها وعَدَمِ الاشتراك فيها.

ويحتمل أن يكون مرادُه بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «أين الله؟» أي: أَيْنَ
منزِلَتُه في قلبك؟ هل هو مثل منزلته

في قلوب المشركين من تسويتهم له تعالى مع مخلوقاته في الألوهية، فأهانوا
منصب الألوهية الأعلى

وتلاعبوا به حيث أثبتوه لمن لا يستحِقُّهُ عقلاً ولا نَقْلاً من بعض الحيوانات
والجمادات،

كما قال تعالى: ?الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ

وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ ? [الأنعام:1]،

فذَكَرَ ـ سُبْحَانَهُ ـ أفعالَه التي يَعجُزُ عنها كل ما سواه فلا يفعلها لا بالحقيقة
ولا بالمجاز،

ثم الذين كفروا بأنعم المولى العظيم وجَحَدُوا دلائِلَ وحدانيته

وتنزُّهِه تعالى عن الشريك في ذاته وصفاته وأفعاله يَعْدِلُون به غيرَه،

أي: يُساوُونَ به غيرَه، وأتى بـ"ثُمَّ" لاستبعاد صُدور هذه الرذيلة من العقلاء،

فأجابت تلك السوداءُ لتعذُّر النطق منها بأنّ منزلة الله تعالى عندها ليس كمثل
منزلته في قلوب المشركين من عدم التعظيم،

بل هو عندها في الرفعة والجلالة في السماء الأعلى لا يَصِلُ أحَدٌ إلى قَدْرِه

ولا إلى التشبيه به لأنّ الناس إذا عظَّمُوا أحدا في غاية التعظيم قالوا في
التعبير في ذلك:

فُلانٌ أراه في السماء الأعلى ونجمًا في السماء وما أشبه ذلك.

قوله: (فيَعْلَمُ الأَيْنُ أَيْنَ أَنْتَ.)

هذا كلام مُرتَّب على نَفْيٍ، ولهذا يُنصَبُ المضارِع، أي: لا أَيْنَ لَكَ لا بالقَبُولِ ولا
بالحُصُولِ فيَعْلَمَ ذلك الأينُ بكُنْهِ ذاتِك،

إذ الأَيْنُ يَعْلَمُ بأنَّ كل ما حَلَّ فيه فهو من الأجرام الكثيرة الأمثال، فلا خفاء
إذًا لذاتٍ لها أين.

قوله: (وَلَيْسَ لِلْوَهْمِ مِنْكَ وَهْمٌ.)

مرادُه بالوَهْمِ هنا إدراكٌ يُقدِّرُ أمورًا من الأجرام والأعراض منها ما كان ومنها
ما لم يكن،

وبالجملة فهو إدراكٌ لا يخوض إلا في جنس الأجرام وجنس أعراضها،

ولمّا تنزَّهَ المولى العظيم أن يُماثِل شيئًا مما سواه من أجناس الأجرام وأجناس
الأعراض عمومًا قُصَّتْ أجنحةُ الوَهْمِ ورَجَعَ خاسِئًا

لا يَقْدِرُ أن يَلْمَحَ الذاتَ العَلِيَّة ولا صفاتها لأنّ ذلك الجلال العديم المثال
خارج وبعيد غايةَ البُعد عن جنس عِشِّه الذي يتحرَّك فيه.

قوله: (فيَعْلَمُ الوَهْمُ كَيْفَ أَنْتَ)

هذا أيضا مُرتَّبٌ على النَّفْيِ الذي قبله، يعني أنه لمّا استحالَ ارتسامُ ذاتك العلية

وصفاتك الجليلة المُرَفَّعَة في وَهْمٍ من الأوهام لم يكن للوَهْمِ عِلْمٌ بذلك الجلال،

وإنما العَقْلُ وَحْدَهُ أدرَك من ذلك الجلال على الجملة ما شَهِدت به العوالِمُ، وغَضَّ
الطَّرْفَ عَجْزًا عمَّا وراءَ ذلك.

قوله: (أَحَطْتَ عِلْمًا بِكُلِّ شَيْءٍ.)

يعني أنّ المولى العظيم أحاطَ عِلْمًا بكل ما سواه، لا يحيطون عِلْمًا بكُنْهِ ذاتِه،

وإنما تفضَّلَ عليهم بنَزْرٍ يسير من العِلْم ينتفعون معه في أمر دنياهم وآخرتهم.

قوله: (وَكُلَّ شَيْءٍ تَرَاهُ أَنْتَ.)

أي: كل موجود فأنت تراه، وسائر الموجودات حَجَبْتَهُم عن رؤية ذلك الجلال،

إلا أن تَفْتَحَ لمن شئت فيما شئت من غير تكييفٍ ولا تحديدٍ، فهذا كله تحقيقٌ
لعظيم مُلْكِه وقهره كل ما سواه،

وعبودية كل ما سواه له.

قوله: (فَمُنَّ بالعَفْوِ يَا إِلَهِي، فَلَيْسَ أَرْجُو سِوَاكَ أَنْتَ)

هذا مُرتَّبٌ على العلم والرؤية لكل موجود، ومن جملة الموجودات المعاصي التي
تقع من العبيد،

وقد علمت أن الجاني إذا لم يَرَ المَلِكُ جنايته بِبَصرِه وإنما شُهِد عليه بذلك ربما
يحتال عليه بإنكارٍ وتجريح للشاهد ونحو ذلك،

أمّا إذا علم أن الملك قد رأى جنايته ببصره، والفَرْضُ أنه في قَبْضَةِ المَلِكِ،
انقطعت عنه الحِيَلُ كلّها ولم يُمْكِنْهُ إلا النداء

بالويل والثبور والتضرّع بين يدي الملك والتشفع إليه بخواص عبيده وبذاته
المنزَّهة في طلب العفو،

فهذا وجه ترتيب هذا الكلام بالفاء،
على ما قبله، والله أعلم، وبه التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه.

اللهم اختم لنا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والمغفرة لجميع الذنوب
بلا محنة يا غفور

الحكيم أرسطو طاليس


      الحكيم أرسطو طاليس (عليه السلام) 


*.الحمد لله الذي قسم البريّة كيف شاء فانفرد بكل ما فعله كما أحبَّ و جعل ما
في السماء دائم الحركة و ثبت له في ذلك القوة التي لا يقاسُ إليها شيء , و
جعل حركة الكواكب لاظهار كيفيات ما في العالم و صيّر التغيُّر والانقلاب على
حالة واحدة , و قوم بعضاً من بعض , و أحالَ بعضاً إلى بعض , فكلُ بيده و من
عنده , لا نقص لما أثبته , ولا دوام لما فرّقه .
· *

*الحمد لله الذي سبق الكيفية والماهية , و تعالى عن جميع الأينيات و
المحدودات والموصوفات, , فأنشئ به كل موصوف و أعيد كل المتجانسات . الذي
أظهر اشتراك الأشياء و اتفاق ما أنشأ بتوحيده و انفراد قدرته , و أثبت
اختلاف البريّة بقوته و سعة قدرته , لا مثال لقدرته و لا قرين لقوته , و لا
أمدَ لملكه و لا زوال لربوبيته و لا معاند لأمره و لا خلل في خلقه . أحكم
البريّة و زيّن بأجمل الأمور الخلقة : فما شاء يبقى بقى , و ما شاء أن يفنى
فنى . فمُضيُّ الأشياء دالٌ على قوته و انقلابها دالٌ على قدرته . فكل المدح
دونه و كل القياسات منحطة عن جلاله . ارتفع عن التوهم و علا على كل ممدوح
فله الحمدُ كما هو أهله .
· الشكر واجب لله تعالى و المنُّ له سبحانه على البريَّة و الطول من عنده إياه
أحمد و هو ملجأي , و به أستعين على المهم في كبير أمري و صغيره ,و شكري له
شكر من يعرف مننه عليه و لا يحصي نعمه لديه و من يقول : إنه واحدٌ لا أول له
و لا زوال لملكه . أنشأ الخليقة لا من موجودات , و أحدثها لا من متقدمات .
خلق الرؤوس الأوائل كيف شاء , و برأ الطبائع الكلية من تلك الرؤوس على ما
شاء .*


*· الحمد لله الذي اختبر عباده بأقل من مقدار الطاقة و أمرهم بما لهم فيه
الحظوة الذي بنعمته على خلقه و رحمته و رأفته , و صرف عنهم البلاء على غير
استحقاق منهم . و الحمد لله الذي صيَّرني بنعمه على ممن يشكره و يعرف إحسانه
و فضله , الذي ملك المعرفة و العقل , و أذلّ الجهل و المعاندة . إياه اعبد و
أشكر , و به أستعين و عليه أتوكل – و بذلك أرجو السلامة و التوفيق .
· ليس الآمر بالخير بأسعد به من المطيع , و لا المتعلم بأسعد من المعلم له
, و لا الناصح أولى من المنصوح , إن أفضل ما أنت تاركٌ من هواك ما أنت مصيبٌ
من لذته و السرور به . و أفضل ما يقسم للناس من معايشهم في الدنيا إن
الواهب لم يرض لنفسه من الناس إلا بمثل الذي رضي لهم به منه : فإنه رحمهم و
أمرهم بالتراحم و صدقهم و أمرهم بالتصادق و جاد عليهم و أمرهم بالجود و عفا
عنهم و أمرهم بالعفو فليس قابلاً إلا مثل الذي أعطاهم و لا آذنٌ لهم في خلاف
ما أتى إليهم .
· اعلم إنه لا شيء لك إلا ما نلت من جميل الذكر و رضوان الخالق تعالى ذكره
فإنك إن وثقت به في حقه عليك وقاك شرّ من دونه .
· اعلم أنك غير مستصلح رعيتك و أنت فاسد . و لا مرشدهم و أنت غاوٍ و لا
هاديهم و أنت ضالٌ . فكيف يقدر الأعمى أن يُهدي و الفقير أن يُغني , و الذليل
أن يُعز , و الضعيف أن يُقوي ! و اعلم أنه ما استصلح المستصلح غيره إلا بصلاح
نفسه , و لا أفسد المفسد سواه إلا بفساد نفسه فإن رغبت في صلاح من وليت
أمره فابتدئ بصلاح نفسك . و إن أردت دفع العيوب عن غيرك فطهر منها قلبك ,
فإنك لا تقدر على تطهير غيرك و قد دنست نفسك كبعد المتطبب من إبراء غيره من
دائه مثله , و لا تُرك ذاتك أنه إذا أحسنت القول دون الفعل فقد أبلغت إلى
السامعين منك دون أن يصدق قولك فعلك و تحقق سريرتك علانيتك .
· إذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم تكن له قناعةٌ فليس المالُ
مغنيه و إن كثُر .*


*· اعلم أن من علامة تنقل الدنيا و كدر عيشها أنه لا يصلح منها جانبٌ إلا
بفساد جانب آخر , و لا سبيل لصاحبها إلى عز إلا بإذلال , و لا استغناء إلا
بافتقار . و اعلم أنها ربما أصيبت بغير حزم في الرأي و لا فضلٍ في الدين .
فإن أصبت حاجتك منها و أنت مخطئ , أو أدبرت عنك و أنت مصيب فلا يستخفك ذلك
إلى معاودة الخطأ و مجانبة الصواب .
*

*· لا تضنن على الناس بما ترغب فيه و لا تأت إليهم ما تكره أن يؤتى إليك و
قاتل هواك و أقصر رغبتك و اكفف شهوتك و احلل الحقد من فؤادك و طهّر من الحسد
قلبك و اقبض إليك أملك فإن بسط الأمل مقساة للقلب و مشغلة عن الميعاد . و
ليكن ما تستعين به على إطفاء الغضب علمك بأن الزلل لا يخلو منه أحدٌ و به
وقع صاحبك .*


*· احذر الشهوات و ليكن ما تستعين به على كفها عنك علمك بأن الشهوات مذهبة
لفضلك مهجّنة لرأيك , شائنة لعرضك شاغلة لك عن عظيم أمرك لأنها لعب و إذا
حضر اللعب غاب الجد , و لا يقوم الدين و لا تصلح الدنيا إلا بالجد . و إن
نازعتك نفسك إلى الشهوات و اللهو فإنها قد نزعت بك إلى شر منزلةٍ فغالبها
أشد مغالبة و امتنع منها أشد الامتناع . و ليكن مرجعك منها إلى الحق فإنك
متى تترك شيئاً من الحق فلا تتركه إلا إلى الباطل و مهما تترك من الصواب
فإنما تتركه إلى الخطأ . فلا تداهن هواك باليسير فيطمع منك في الكثير و لا
يرحبنّ بمقارفة صغير الخطأ فإن لكل عملٍ ضراوةٍ و متى تعوذ نفسك القليل تعدل
بك إلى الكثير .
*

*لا تبطل عمراً في غير نفع , و لا تضع لك مالاً في غير حق و لا تصرف لك قوة
في غباوة , و لا تعدل لك رأياً في غير رُشد . فعليك بالحفظ لما أتيت من ذلك و
الجد فيه و خاصةً في العمر الذي كل شيء مستفادٌ سواه فإن كان لا بد لك من شغل
نفسك بلذة فلتكن في محادثة العلماء و درس الحكمة .
*

*إياك والكذب فإن الكذاب لا يكذب إلا من مهانة نفسه و سخافة رأيه و جهالةٍ
منه بعواقب مضرة الكذب عليه . و اعلم أن أقل ما ينزل بالكذاب إذا عُرف به أن
يقول فلا يُصدق وهو صادق و لا يُحكم و هو عادل , و لا يُبرأ و هو نظيف . *


*· اعلم أن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار حين يلتقون كسرعة اختلاط ماء البحر
بالمطر وبُعد الفَجَرة من الائتلاف و إن طالت معاشرتهم كبعد البهائم من
التعاطف وإن طال اعتناقها . *


*العدل ميزان الله عز وجل في أرضه و به يؤخذ للضعيف من القوي و للمحق من
المُبطل,. فمن أزال ميزان الله عما وضعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة و
اغتر بالله سبحانه أشد الاغترار . *

*, العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن
عالماً .
ليس طلبي للعلم طمعاً في بلوغ قاصيته ولا استيلاء على غايته , و لكن التماساً
لما يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه . *


*·استعن على أمورك بخلتين إحداهما تألف الأهواء والأخرى التثبت في الأمور . *


*الحكمة رأس التدبير وهي سلاح النفس و مرآة العقل, وبها تذلُّ المكروهات و
تعز المحبوبات ,ما أحسن رأي من حقق في طلبها ! و ما أبهى نتائج الحكمة في
النفس و هي رأس الممدوحات و أصل المفاخر, وكفى بالحكمة قدراً أن في حجة من
رام إبطالها تثبيتها , وقوله إن الحكمة باطل موجبٌ لها أنها حق . وكفاها
فضلاً أن الجهل ضدها و خلافها , و هو الذي ينتفي الناس كلهم منه و يتدافعونه
أجمعون . بها تنال الدنيا حق المنالة. و هي الفائدة إلى فوز العاقبة . و
بها تنجو النفس من العذاب . *


*أول منازع النفس الذِكر(أي بمعنى أن يذكرك الناس ويفاخروا بك), والرياسة
تُنتج حبَّ الذِكر فإن طُلبت من غير جهتها انتجت الحسد ,. والحسد ينتج الكذب
والكذب هو أصل , و نتيجة الكذب في النفس النميمة و النميمة تنتج البغضاء ,
والبغضاء تنتج الجور والجور ينتج التصادم والتصادم ينتج الحقد و الحقد ينتج
المنازعة و المنازعة تنتج العداوة و العداوة تنتج المحاربة و تفنى العمارة
. و ذلك يؤول إلى مخالفة فعل الطبيعة و مخالفة فعل الطبيعة فساد الأمر كله .*


*اطلب الغنى الذي لا يفنى والحياة التي لا تتغير والملك الذي لا يزول
والبقاء الذي لا يضمحل .
· أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعاً لك وكن رؤوفاً رحيماً و لاتكن رأفتك و
رحمتك فساداً لمن يستحق العقوبة و يصلحه الأدب .خذ نفسك بإثبات السنة فإن
فيها كمال التقى . *


*· إياك والبغي فإن فيه هتك القوة و إياك و العجب فإنه يفسد كبير الفضل,
واعلم أن البذخ رأس الفشل . *


*· صيّر دنياك وقاية لآخرتك , وصير آخرتك وقاية لدنياك, برَّ أهلَ التقوى
المشهورين بالزهد وقدّم مجلس من كان معروفاً بالورع واقض حوائج العامة بهم,
·اعلم أن العلم زين الملوك و دليل ذلك أن يسلم الناس من جورك و يحمدوك و
تسلم آخرتك .

· اطلبوا الدنيا لتُصلحوا بها الآخرة و لا تطلبوها لتصلح هي فما أقل اللبث
فيها و أسرع الانتقال عنها فقد أصبحتُ فيها غير راغب و منها على وجلٍ و أنا
أسأل الله الخالق أن يسلمني من الدنيا و أن يسلم أهلها مني الأردياء
ينقادون بالخوف و الأخيار ينقادون بالحياء فميز بين الطبقتين و استعمل
في.أولئك الغلظة و البطش و في هؤلاء الإفضال و الإحسان إليهم .
·
,رغبتك فيمن يزهد فيك ذل نفسٍ وزهدك فيمن يرغب فيك قصر همة . الجاهل عدوٌّ
لنفسه فكيف يكون صديقاً لغيره.

· الصالح هو كل ما إذا هو أتى إليك أصلحك والسيء كل ما إذا هو أتى إليك , و
إذا كان المصلح أيضا يصلح منك ما أنت حقيقٌ بحبه فلا يسخطك عليه إفساده منك
ما أنت حقيقٌ ببعضه .*


*· إذا كانت الحكمة هي خير الدنيا و كان ثوابها هو خير الآخرة فأحق ما وجهت
إليه همتك الحكمة .
 

نظرية المعرفة عند أفلاطون


      نظرية المعرفة عند أفلاطون (هام جدا) 


*من أهم ما كتب أفلطون حيث تلقي الضوء على صلب فهم العقيدة فيقول:*


*لا يجوز اعتبار الحواس وحدها أساساً للمعرفة و إنه لا بد من توسط العقل
لتصحيح الإدراك الخاطئ و لإعطاء صورة حقيقية عن المُدرك . إن لهذه الحقيقة
العقلية وجوداً ذاتياً مستقلاً أصيلاً , مما حدا بأفلاطون للانطلاق إلى نظرية
الحقائق الكلية أو نظرية المُثل . و لكن هل إلى معرفة هذه الحقائق الكلية من
سبيل ؟ أجل إن النفس قبل أن تحل في الجسد كانت تعيش في عالم المُثل العقلي
مدركةً لجميع الحقائق و لمّا التصقت بالجسد نسيت ما كانت تعرفه , فاستعانت
بالفلسفة على تذكرها . إذن فالمعرفة هي تذكر الحقائق الأزلية و ما وظيفة
المعلم أو المرشد إلا تسهيل سبيل التذكر و لما كانت الكليات واحدة لا تتغير
فإن المعرفة أيضا واحدة و ثابتة . *



*أما أنواع المعرفة عند الإلاطون فهي اربعة : *

*الإحساس: و هو إدراك عوارض الأجسام أو أشباحها . *

*الظن: هو نعمة إلهية و ليس اكتساباً عقلياً و هو بمثابة قلق في النفس يدفعها
إلى طلب العلم .*

*الاستدلال: وفيه يتبع منهج الرياضيين في حل المشاكل بالإيجاب أو السلب . *

*التعقل: و هو إدراك الماهيات المجردة من كل مادة و هو أسمى درجات المعرفة .*



*نظرية المُثل : *

*المُثل عن أفلاطون هي الصور المجردة أو الحقائق الخالدة في عالم الإله و هي
لا تندثر ولا تفسد و لكنها أزلية أبدية و الذي يفسد و يندثر إنما هو هذا
الكائن المحسوس . *

*وبالنسبة لأفلاطون هناك عالمان عالم العقل أو عالم الإله و فيه المُثل
العقلية و الصور الروحانية و عالم الحس أو عالم الظلال و فيه الصور
الجسمانية والأشخاص الحسية .*

*فكأن عالم الحس عالم الظواهر المتغيرة و كأن عالم العقل عالم الحقائق
الثابتة .*

*و نسبة الحقائق التي في عالمالعقل إلى النسخ التي في عالم الحس نسبة
الأشخاص الحقيقيين إلى الصور التي في المرآة . *



*إن الفرق بين الصور المنطبعة في مرآة الحس والحقائق الموجودة في عالمالعقل
هو أن صور المرآة الحسية صور خيالية متغيرة على حين أن المتمثل من الحقائق
في عالمالعقل صور روحانية مجردة أو في مُثل ثابتة تحرك الأشخاص و لا تتحرك و
لها الوجود الدائم و الثبات المستمر . *



*الله : *

*يثبت أفلاطون وجود الله ببرهانين اثنين :*

*برهان الحركة و برهانالنظام فيقرر من وجه أول أن الحركات سبع : الجهات
الست , و الحركة الدائرية , و إن حركة العالم دائرية منظمة لا يستطيعها
العالم بذاته و لذا فهي ترجع إلى علة عاقلة و هذه العلة العاقلة هي الله .*

*ومن الوجهة الثانية يقول : إن العالم آية فنية و هذا العمل الرائع هو من
صنع عقل كامل توخى الخير و رتب كل شيء عن قصد .*

*وإن مثال الجمال هو المقصد الأسمى الذي ترمي إليه الإرادة في نزوعها نحو
المطلق و الغاية القصوى التي يتوخاها العقل في جدله و هذا المثال لا يوصف .*

*إن مثال الخير هو أقصى حدود العالم المعقول و علة لكل ما هو خيّر و جميل و
هو الذي يمنح النفس قوة الإدراك و هو مبدأ العلم و الحق . *



*الخير و الشمس ملكان :*

*الأول ملك على العالم المعقول و الآخر الشمس على العالم المحسوس و مقصد
أفلاطون أن الخير يربط كل شيء و أنه أساس كل شيء كما هي الشمس مصدر الحياة
في عالم الحس .*

*وإن الله في العالم المعقول كالشمس في العالم المحسوس أي كما أن الشمس تهب
الأشياء الحسية وجودها واستمرارها كذلك الله في العالم المعقول يهب المُثل
وسائر الكليات العقلية وجودها و ماهيتها . *

*ويعتبر أفلاطون أن الايمان بالله و بعنايته يسعفان على صيانة النظام في
المجتمع , ومن أنكر الله ساءت أعماله و أخلّ بالنظام فاستحق العذاب . *

*و انطلاقاً من إيمان أفلاطون بالله و بعنايته اللذين يسعفان على صيانة
النظام في المجتمع تصور الدولة كمثال يسعف على صيانة نظام المجتمع و ما
يستتبعه هذا النظام من توفير للضمانات العقلية التي تكفل معرفة الطريق
للوصل إلى الإيمان بالله و التمسك بعنايته و التسليم بقضائه و قدره و الرضى
بأفعاله سراً و جهراً و اعتبر أفلاطون المعرفة تلك هي ذاتها في كل عصر و زمان
و إن الفيلسوف هو من يعرف الخير و هذا العرفان هو توكيد بوجود مستوى موضوعي
تقاس عليه كل الفرضيات . *



*النفس الإنسانية : *

*للعالم نفس كلية تحركه و للإنسان نفس هي علة حركته و هي متصلة بعالم المثل
من جهة و بعالم الكون و الفساد من جهة ثانية و تنقسم النفس إلى قسمين :*

*1-الجزء الأعلى أو الأرقى منها و به العقل و هو بسيط خالد يدرك المثل و
مركزه الرأس .*

*2- القسم الأسفل , اللاعقل , يتجزأ و يفنى و هو مقسوم بدوره إلى شريف و
وضيع و بالشريف تتعلق العواطف النبيلة كالشجاعة و مركزه القلب و بالوضيع
تتعلق الشهوات البهيمية و مركزه البطن . *

*ثم عمل أفلاطون على إثبات خلود النفس فأعطى أدلة ثلاثة على خلودها.*

*الأول :*

*التقمص و هو عقيدة (فيثاغورية) ومختصر قوله في هذا الدليل: أن الأشياء
تتغير دائرةً بين الأضداد يتولد الأكبر من الأصغر والأحسن من ألأسوأ وبالعكس
, و على هذا النحو يصح القول بأن الحياة تُبعث من الموت و إلا لانتهت
الأشياء إلى سكون .*

*والدليل الثاني :*

*تعقل المُثل , فالنفس عرفت المُثل قبل هبوطها عالم الطبيعة و المُثل بسيطة و
البسيط دائماً ثابت لا يعتريه انحلال . و إن النفس تدرك المُثل فلا بد من أن
تكون شبيهة بالمُثل التي تدركها لأن الشبيه يدرك الشبيه فينجم عنه أن النفس
كالمُثل . و إذا قيل أن النفس ماهية تشارك الحياة بالذات و لا تقبل ما هو
ضدها و عليه فهي لا تقبل الموت . *



*منشأ الطبيعة : *

*كل حادث إنما يحدث بعلة و العالم مُحدث لأنه محسوس و كل محسوس محدث و كل
حادث لا بد له من مُحدث أو صانع و قد صنع العالم على مثال المثل الذي هو
الحق و الخير و الجمال . و الخير التام لا بد له من أن يفيض من صفاته على
ما يصنعه فيأتي شبيهاً به . و لذلك أتت الكائنات الروحية العليا و هي المثل
عاقلة حية و جاء العالم الأعلى ثابتاً لا يدركه نقص أو فساد . *



*الأخلاق *

*أهم موضوعاتها :**اللذة و الألم , الفضيلة و الرذيلة و العدالة و السعادة.*

*اللذة و الألم : يرى أفلاطون أن لذة الشهوة و الرغبات الجسمانية موت متكرر
إنها تنمي الرغائب و تنمي الآلام فإرضاؤها يضاعف الشعور بالحرمان و يزيد
الآلام لذا كانت الحياة الفاضلة التي لا تدور حول إشباع اللذات هي الحياة
الحقيقية . *

*الفضيلة : الفضائل ثلاث تديرها قوى النفس الثلاث : الحكمة فضيلة العقل و
العفة فضيلة القوة الشهوية و تتوسط هذين الطرفين الشجاعة و هي فضيلة القوة
الغضبية و تعين العقل على الشهوية فيقاوم إغراء اللذة و مخافة الألم و
الحكمة أولى الفضائل و مبدأها و بها نظفر بسائر الفضائل .*

*وكل فضيلة خلت من الحكمة فضيلة عبدة . و إن من أنكر العقل تعذر عليه بلوغ
الفضيلة .*

*والفضيلة عمل الحق صادراً عن معرفة حقة بقيمة الحق و هذه هي الفضيلة
الفلسفية . و عندما تحقق كل قوة من هذه القوى الثلاث أي القوة العاقلة و
القوة الغضبية و القوى الشهوية فضائلها و هي الحكمة و الشجاعة و العفة ,
تتحقق عندها في المرء الفضيلة الرابعة و هي العدالة . *

*العدالة : و لقد أدرك أفلاطون الوجود الثابت و هو وجود عالم الكليات أو
عالم المُثل الحقيقي . و لكن كيف تتم معرفة هذا الوجود الثابت ؟ و كيف يمكن
أن يتوصل العقل لإدراك المُثل ؟ هذا ما توضحه التربية الأفلاطونية . إن
المعرفة ملكة النفس الخالدة التي كانت قد أبصرت الجمال المتألق و بقية
المُثل قبل أن تهبط إلى العالم الأرضي و تحل في الجسد ( كنا كاملين أصفياء
لا نحمل معنا ذاك الشبح الذي سميناه الجسد ) و عندما تسكن النفس الجسد
البشري تنسى مرحلياً معرفتها تلك إلا أنه يمكنها تذكرها و استعادتها في
حياتها الأرضية بالدراسة النظرية و التأمل الفلسفي الذي يهدف إلى تحريرها
من عوائق و حواجز الجسد . فالتعلم استعادة معرفة ضائعة منسية . *
 

الحكيم فيثاغورث



      الحكيم فيثاغورث ( الحقيقة – العقل – معرفة الله ) 


*يوضح فيثاغورث من خلال فلسفته توضيح معنى العقل والحقيقة لمعرفة الله
فيفسرها بالتالي:*

*الله هو الحي و هو الحقيقة المطلقة مدثراً بالنور .**
الحقيقة كاملة و عظيمة إلى حدٍ بعيد إذ الله سيصور نفسه مرئياً للناس .
لذلك سيختار نوراً لجسده و حقيقة لروحه .
الشيئان الأفضلان اللذان أعطيا للناس من العُلى هما حب الحقيقة و حب فعل
الخير .
الله يتكلم بصوت الحقيقة فقط إنها صوته الوحيد . لا يمكن الباطل و الخداع
لا في صوته و لا في أعماله الله لا يحتاج لإنسان كي يعلن إرادته أعلنها هو
ذاته في الكون بوصفه نظاماً متناغماً منذ بدء الأزل .
الله يكشف معناه إلى العاقل بواسطة أعماله و بدون أي صوت .
إن الكون بوصفه نظاماً كاملاً متناغماً يعلن حقيقته و يُسمع بيانه . إن أفعاله
تنبئ عنه .
كما في أعلى هكذا في اسفل , كما في أسفل هكذا في أعلى لا يوجد شيء مخبأ لا
يمكن كشفه.
الحقيقة مفتاح الأسرار كلها**.
إن روح الإنسان ذات أصل إلهي و من ثم يمكن أن توجد قوة نبوية حقيقية فيها
لكن النبوة الحقيقية يجب أن تأتي من الروح ترشدها النفس الحقة .
التأكيد الحقيقي فيما يخص الله هو تأكيد لله لكن التأكيد الباطل لا يمكن أن
يكون.
يمكن وجود الألوهية الحقة لكنها تأتي من الحكمة المؤسسة على قواعد علم
الحساب . و لا تأتي من الإرشادات و الرموزات و الكهانة .*
*
*
*ليس من الضروري أبداً أن يُخدع الإنسان فلديه داخل نفسه معاني أكيدة لكشف
المغالطة و لإقامة الدليل على الحقيقة و برهنتها .
أليس الدليل العقل ؟ يمكننا الوثوق بالعقل إذن ؟ العقل خالد يفنى كل ما
عداه لأنه إذا نشد أي إنسان الحقيقة بجد و عناية في ضوء العقل سيعرف عن
العقيدة سواء إذا كان مصدرها العقل أو الإنسان .
كل شيء باطلاً أو خطأ لا يمكن أن يصدر من الله الحقيقة تظهر نفسها بوضوح .
بما أن الله يتكلم الحقيقة بشكل أزلي هكذا أبناء الآلهة ينبغي عليهم أن
يتكلموا الحقيقة على الدوام تكلم الحقيقة أو لا تقل شيئاً على الإطلاق لا
تخدع أي إنسان كي تهلكه لا تخدع نفسك .
لا تخبئ نور الحقيقة تحت مكيال الحبوب . من يخبئ الحقيقة يدفن الذهب .
إخفاء الحقيقة يشبه دفن الذهب .
العطيتان الأنبل التي وهبتها السماء للإنسان هما لتتكلم الحقيقة و تفعل
الخير . هذان الشيئان الإثنان يشبهان أعمال الألوهية . إن قول الحقيقة يعظم
الإنسان حتى العبادة .
يُبحث عن الحقيقة بعقلٍ طاهرٍ من الأهواء الجسدية .
ستختبر اتحاذ الله الخالد مع الإنسان الفاني عند انتصارك على الأشياء
الشريرة .
يكون الإنسان في وضعه الأفضل عندما يتجه نحو الله كلا و ليس الله أبداً
ببعيد . إذا كان عملك خارجاً عن الاتصال بالله و عن عنايته فأنت الذي فضلت
نفسك عن الله و ليس الله هو من حوّل نفسه عنك . اعتبر أن الوقت الذي لا تفكر
فيه بالله كله خسارة لك . لهذا السبب فكّر بالله غالباً و أكثر مما تتنفس
علاوة على ذلك إتبع الله .
الله أحد . توجد حقيقة واحدة . وحدة واحدة تشمل السماء و الأرض . الحياة
واحدة كلها و الله أحد . الحياة و الدين هما واحد لا إنفصال بينهما . عبادة
الله واحدة و لن تكون شراً , توجد طريقة واحدة فقط أن تتبع الله ! نهاية
الحياة هي أن تحيا بإنسجام مع الله .
الحياة السعيدة الحقيقية هي حياة الاعتدال التي تُنظم فيها إرضاء الرغبة
بالاعتبار للعدل و الاعتدال . إن مستلزم الحياة المعتدلة الأول هو تبجيل
الله . مكتوب أن أعرف الله ! أعرف نفسك !
دعنا نتأمل الله روحياً ! إننا نحيا فيه و بواسطته حقاً . نحن نحيا بواسطة
الله حقاً كما يحيا الجنين في أمه .
يستطيع الإنسان تحسين روحه بطرائق ثلاث بالمحادثة مع الله , بادئ ذي بدء
لأن لا أحد يقدر على الاقتراب منه ما لم يمتنع عن فعل الشرور كلها مقلداً
الألوهية حتى بالاستيعاب . ثانياً : بفعل الخير الذي هو صفة مميزة للألوهية
. ثالثاً : بالموت .
من يعرف الله سيعرف كيف يعبده . من لا يعرف الله لا يعرف كيف يعبده . إذا
عرفت من أوجدك ستعرف نفسك . تذكر أن النفس المنتشرة ككل التي تعطي النور
إلى الكون كله تماثلك في النوع و الشيء عينه كما أنت و لو أنها مختلفة من
حيث الدرجة بشكل غير محدود .
مدركاً أنت من هو الله و مدركاً ما الذي يوجد فيك يدرك الله . الروح الملهمة
بالألوهية توحدنا مع الله . إنه شيء ضروري وجوب أن يقترب الشبيه من شبيهه .
مباركاً الإنسان الذي قد رأى العبادة .
المبدأ الأول للوجود يسمو فوق الحس و الهوى و هو غير مرئي و غير قابل
للفساد و يُدرك بالعقل المجرد فقط . كل وسائل الاتصال بالله مستحيلة ما عدا
وسيلة الاتصال بالعمل الطاهر للعاقل .
يقطن الله في فكر الإنسان الحكيم . فكر الإنسان الحكيم مع الله على الدوام
. الإنسان الحكيم يشارك في ما يختص بالله بشكل دائم .
الإنسان الحكيم يتبع الله و الله يتبع روح الإنسان الحكيم , الإنسان الحكيم
و مزدري الغنى يشبهان الله .
أساس التقوى كبح النفس عن الشهوة و الهوى , لكن قمة التقوى محبة الله , لا
يستطيع أحد محبة الله بشكل حقيقي بدون أن يحب مخلوقاته كلها في الوقت عينه
. أي شيء تكرّم فوق الأشياء كلها سيسيطر عليك . لكن إذا سلمت نفسك لسيطرة
الله سيكون لك سلطان فوق الأشياء كلها . كرّم الله فوق الأشياء كلها كي يمكن
أن يحكمك . التكريم الأعظم الذي يُستطاع تقديمه لله هو أن تعرفه و تتشبه به
. إن معرفة الله و التشبه به كافيان وحدهما كي يغبطا الإنسان .
المعرفة العلمية لله توجب الإنسان أن يستخدم كلمات قليلة . الرجل الثرثار و
الجاهل يفسدان الطبيعة الإلهية في صلاتهما و تضحياتهما لهذا السبب فإن
الإنسان الحكيم هو الكاهن وحده و هو صديق الله و يعرف كيف يصلي . مجّد الله
لعظمته الكبيرة و لجمال الكون بوصفه نظاماً كاملاً متناغماً و قدم له الشكر
المخلص لهبته الحياة و الروح لك . و لعنايته الكلية و لحكمته التي تشفي كل
شيء .
صل يا إلهي المقدس امنحني الجمال في الداخل
صلِّ على الدوام لأن الإنسان لديه مشاركة مع الله في الصلاة لكن عندما تصلي
صلِّ من أجل لا شيء بشكل خاص لأن الإنسان لا يمتلك عقلاً كافياً كي يعرف لماذا
يصلي ؟ أنشد الحكمة و الفهم كي تجد الخير الذي في متناول يديك الذي منعك
عنه جهلك و إتباع طريقتك . من المستحيل أن يقدر إنسان على الاعتقاد بالله
حقاً ويشك في عنايته المطلقة .
صل قائلاً يا إلهي المقدس إمنحنا الخير سواء إذا صلينا لأجله أو لم ننشده
لكن ذلك الذي ننشده بطريقة خاطئة جنبنا إياه .
إن إرادة الله ترسخت للأزل و هي لا تتغير و نظمه الأساسية هي نظم حكمية يجب
عليك أن تعرف من الله الحقيقة عن إرادته و أن تقيم في ذلك المكان .
ضع نفسك في حالة رضا و أمانة عقلية عندما تؤدي صلاتك و أنشد بحق كي تعرف
الجيد و الخيّر لك بدل أن تنشد تحقيق رغباتك الخاصة فصلاتك سوف تُستجاب بكل
تأكيد .
استشهد بالله كشاهد على كل ما تقوم به من أعمال . عوّد نفسك الاعتماد على
الله بشكل دائم .
فكر بالله ذلك كي يمكن لنوره أن يسبق قدراتك قبل أن تفعل أي شيء . ضع الله
نصب عينيك في كل أعمالك . العفو الإلهي تم توفيره مسبقاً و هو في متناول
اليد على الدوام . هكذا فإن الضمير و السلام الفكري يمكن إعادته إلى
الإنسجام و الإتزان *

عقيدة التقمص في فلسفة جبران خليل جبران



        عقيدة التقمص في فلسفة جبران خليل جبران \ ونظرة خاصة

        عقيدة التقمص في فلسفة جبران خليل جبران \ ونظرة خاصة



        إن عقيدة التقمص ركن رئيسي في الرؤية الجبرانية للانسان والوجود ,
        ناهيكم عن ايمانه الكبير بفكرة وحدة الوجود والذات العظمى ويمكن من
        خلال هذه الاركان تفسير وفهم مقولات جبران الفلسفية - الفكرية



        كان جبران شديد الإيمان بفكرة التقمص في كتاباته وحياته الشخصية أيضًا

        فهو يؤكد في إحدى رسائله إلى ماري هاسكل أن عنده شعورًا واعيًا بكونه
        عاش حياة بشرية في الماضي. كما يقول لها، في رسالة أخرى في العام
        1911، أنه "في حيواتـه الماضية عاش مرتين في سورية، لكنما لفترات
        قصيرة، ومرة في إيطاليا إلى سنِّ الخامسة والعشرين، وفي اليونان حتى
        الثانية والعشرين، وفي مصر حتى الشيخوخة، وعدة مرات – ستَّ مرات أو
        سبعًا ربما – في بلدان الكلدان، وواحدة في كلٍّ من الهند وفارس" ويردف
        أنه في هذه الحيوات كلِّها كان "كائنًا بشريًّا، لكنه لا يعرف شيئًا عن
        حيواته قبل ذلك"


        ويؤكد ميخائيل نعيمه، في مقدمته للمجموعة الكاملة لمؤلَّفات جبران
        العربية أن "جبران الذي كان يؤمن أوثق الإيمان بالتقمص ما كان يحسب
        ولادته في شمالي لبنان مصادفة عمياء، بل كان يعتقدها نتيجة لازمة
        لحياة سابقة"



        ويمكن لنا أن نتبيَّن الأهمية المحورية لعقيدة التقمص في فكر جبران
        وأدبه من خلال تصفُّح كتبه
        إذ يكاد ألا يخلو واحدٌ منها من نصٍّ يدور حول هذه الفكرة أو من إشارة
        إليها.

        ففي كتاب عرائس المروج (1906)، نجد نصَّ "رماد الأجيال والنار
        الخالدة" الذي تعود فيه روحا ناثان وعروسه إلى الحياة بعد قرون،
        لتصلا ما قَطَعَه الموت من حبِّهما.

        وفي كتاب الأرواح المتمردة (1908)، تؤمن بطلة قصة "مضجع العروس"
        بأن مضجع الحبِّ الحقيقي ينتظرها بعد موت جسديهما.

        وفي كتاب دمعة وابتسامة (1914)، يقول جبران في نصِّ "نشيد الإنسان":
        "أنا كنت منذ الأزل، وها أنا ذا، وسأكون إلى آخر الدهر، وليس
        لكياني انقضاء."

        أما في قصيدته المواكب (1919)، فيؤكد جبران على العَوْد الأبدي، إذ
        لا تفنى الذرات في الجسد ولا في الروح؛ وهو يشبِّه فيها الجسم برحم
        تستكين فيه الروح ريثما يأتيها "الموت"، الذي ما هو في الحقيقة إلا
        عهد مخاض تولد فيه من جديد:


        ظـلَّ الجميعُ فلا الذرَّاتُ في جَسَـدٍ * تُثـوَى ولا هيَ في الأرواحِ تُحتضَرُ

        والجِّسـمُ للـرُّوحِ رحْمٌ تَسـتكنُّ به * حـتى البلـوغِ فتستعلِـي وينغـمرُ

        فهيَ الجنِينُ وما يومُ الحِمام سـوَى * عهدِ المخاض فلا سـقطٌ ولا عسرُ




        وفي كتاب المجنون (1918)، يتحدث عن "الحيوات السبع" على الأرض.

        أما في كتابه العواصف، الذي تزامن صدورُه مع صدور كتاب السابق، فنجد
        الأمير والشاعر البعلبكي، اللذين عاشا سنة 112 قبل الميلاد في
        مدينة بعلبك، يعودان إلى الحياة في مدينة القاهرة سنة 1912 للميلاد.

        أما كتاب السابق، فقد خصَّصه جبران بالكامل لبسط رؤيته عن التقمص.
        فهو يقول، في النصِّ الأول من الكتاب، إن الإنسان "سابق نفسه"، بمعنى
        أن وجوده، كجوهر أصلي، سابق لتجسده كفرد يعيش في هذه الحياة.
        فالإنسان في الأصل كان فكرة هائمة في الضباب أو كلمة صامتة بين
        شفتي الحياة المرتعشتين. وعندما اشتاقت الفكرةُ إلى الحياة، وتلَّفظتْ
        الحياةُ بكلمتها، بَرَزَ الإنسانُ إلى الوجود، وقلبُه خافق بتذكارات
        الأمس والحنين إلى الغد. وما أمس الإنسان سوى انتصاره الدائم على
        الموت؛ وما غده سوى انتظار الميلاد الجديد، الذي يخلِّصه من الحياة
        السابقة ليفتح أمامه أبواب حياة جديدة. فالإنسان بداية متجددة،
        وسيبقى بداية إلى الأبد. فالظل الذي ينبسط أمامه عند شروق الشمس
        سيتقلَّص تحت قدميه عند الظهيرة؛ وسيعقب هذا الشروق شروقٌ آخر، فيُحدِث
        ظلاً ثانيًا، سيتقلَّص بدوره في ظهيرة أخرى. ووجود الإنسان على هذه
        الأرض مثل ذلك الظلِّ، الذي ما أن ينبسط حتى يتقلَّص، ريثما تشرق شمس
        ولادة ثانية تعيده إلى الحياة من جديد.

        إلا أن هذه العودة الدائمة إلى الحيوات المتعاقبة ليست بغير معنى
        أو هدف. فالإنسان، في كلِّ دورة من دورات الحياة، يقيم "أبراجًا" تكون
        أساسًا لحياته التالية. فما يزرعه فيها سوف يحصده في الحياة
        اللاحقة. وبذلك يمكن له أخيرًا أن يحقق "ذاته الجبارة" التي هي
        الهدف الأسمى للوجود الإنساني.


        ونفهم من نصِّ "المحبة" أن هذه "الذات الجبارة" هي نقيضة "الذات
        الضعيفة". فالذات الضعيفة هي التي تجوع وتعطش وتستهويها الرغائب؛
        وهي التي تموت وتفنى في كلِّ دورة من دورات الحياة. أما "الذات
        الجبارة" فهي الخالدة، لأنها لا تشرب إلا من قدح ملأتْه المحبة، أو
        كأس باركتْها. وإذا كانت الذات الضعيفة تملأ الإنسان بفقاقيع الغرور
        (نص "الملك الناسك")، فإن الذات الجبارة تحثه على أن يستبدل
        بالمملكة الزائلة غابةً تترنَّم فيها الفصول، ليفهم أسرار الغبراء،
        وينظر إلى الحقِّ عاريًا، ويتأمل الجمال سافرًا. فالذات الجبارة تجعل
        من المولود ملكًا دون مملكة، ومن الرجل المسود بجسمه سائدًا بروحه؛
        إنها الذات التي تطل من أعماقنا (كما في نصِّ "الذات العظمى")
        لتذكِّرنا بتفاهة المكاسب التي نحقِّقها في حياتنا المادية. فلو كان
        الملك أنبل وأشد بأسًا وأوفر حكمة، لما اختار أن يكون ملكًا في حياة
        لن يلبث أن يغادرها سريعًا إلى حياة أخرى!


        وفي نصِّ "طائر إيماني" نرى "ذات الإنسان الفُضلى" تزداد كبرًا كلما
        ارتقت من حال إلى حال: ففي كلِّ دورة حياتية تكتسب المزيد من المعرفة
        الجامعة القديرة التي تجعلها تتحرَّر من قيود اللحم والعظم، وتنبثق
        محلِّقة في عالم اللاحدود، حتى ترتسم على أديم السماء. أما في نصِّ
        "وراء وحدتي"، فنجد ذات الإنسان السجينة في الجسد الذي حلَّتْ فيه في
        إحدى حيواتها تعي أن وراء وحدتها في هذه الحياة وحدة أبعد وأقصى.
        وهي تتوق إلى تلك الوحدة العلوية المقدسة، وتدرك أن لا سبيل إلى
        ذلك إلا بالتسامي على أشياء الواقع المادية وتجاوُز رغائبه
        المتعاقبة. كما لا يمكن للفرد بلوغ ذاته الحرة الطليقة قبل أن يصير
        جميعُ الناس أحرارًا طلقاء. فلا بدَّ أن تذوي الجذور التي تتشبَّث بظلام
        الأرض قبل أن تطير الأوراق مترنمة في الريح؛ ولا بدَّ للفراخ من أن
        تغادر عشَّها قبل أن يحلِّق نَسْرُ الروح أمام جوهر الشمس – وجه الحقيقة
        المطلقة أو وجه الروح الكلِّي الخالد.

        وفي النصِّ الأخير من الكتاب، الذي وضع له جبران عنوان "اليقظة
        الأخيرة"، نرى "السابق"، بعد أن عبر دورات حياته المتعاقبة، وتخلَّص
        من ذواته المستعبَدة فيها، واغتنتْ ذاتُه الجبارة بما اكتشفتْه من
        معارف وأسرار، وما اكتنزتْه من تجارب وخبرات – إذا به ينهض في يقظته
        ليمشي مطلقًا عاريًا، ويخاطب أرواح النائمين المستيقظة، معلنًا
        الحقيقة العظيمة التي تجلَّت له – وهي المحبة. فلا أساس لهذا العالم
        سوى المحبة، ولا جوهر لهذا الوجود سواها. والمحبة واحدة لا تتجزأ:
        فهي تشمل الجميع، كما لو كانوا واحدًا؛ وتشمل الواحد، كما لو كان
        الجميع؛ وتشمل القوي والضعيف، والسقيم والسليم، والغني والفقير،
        والمبدع والمقلِّد، والمؤمن والكافر، والخيِّر والشرير.

        وإذا كان الناس لا يقوون على شرب المحبة من النهر الفيَّاض، فإن في
        وسعهم أن يرتشفوها من القدح الصغير. لذلك كان لا بدَّ له، لحاجته إلى
        قربه من الناس، أن يتظاهر بالجفاء. وخوفًا منه على دنوِّ قضاء محبتهم،
        راح يقوم على حراسة سدود محبَّته. إلا أنه يدرك في قلبه أن المحبة
        المحتقَرة في عريها لأعظم من المحبة التي تنشد الظفر في تستُّرها
        وتنكُّرها. لذلك يخجل من ذاته، ويرفع رأسه باسطًا ذراعيه، معلنًا أن
        الليل قد ولَّى. وعندما يأتي الفجر فلا بدَّ لنا – نحن أولاد الليل –
        أن نموت كي تنبعث من رمادنا محبةٌ أقوى من محبتنا – محبة تضحك في
        نور الشمس، وتكون خالدة مثل خلودها، ومثل خلود الحقيقة المطلقة
        وخلود الذات الجبارة العظمى.