*وعظ أفلاطون الناس فقال :*
*أيها الناس استمعوا كلامي و اشكروا الله على نعمه عليكم واعلموا أن الله
تعالى ساوى بين خلقه في مواهب النعم و بذلها لهم كافة ففهموا و اعتبروا
القول بالصحة . أسبغ الله النعم و هي للعامة أجمعين .*
*ادفعوا الشهوات فإنها ضد الفكر ولاتطلبوا ما لا حاجة لكم إليه . قد أعدّ
الله لكم ما يحامي التُّقى رأس النجاح و هو مفتاح الفضائل عنكم ,وهو الحكمة
والتقوى.*
*وعليكم بالحكمة فإنها ضياء النفس و بها تظهر فضائلها و جميع
أخلاقها,والزموا العلم فإنه من خاصة الصورة التي هي بدء الخلقة و لا تطلبوا
الإسراف في الأكل و الشُّرب فإنهما من شكل الهيولى التي هي أوضع من الصورة و
هو الذي تتم به فعال الصورة فتشبهوا بالصورة لأنها المحركة بالقوة التي
أنشأ فيها الخالق سبحانه , و لا تميلوا على الهيولى الذي أنشأه الخالق
تعالى و تممه بالصورة وحركه بتحريك القوة لها . أصلحوا أنفسكم تصلح لكم
آخرتكم .
فارقوا الدنيا و أنتم غير مجروحين بشهواتها و قدّموا الحكمة على جميع المرغوب .
اطلبوا فضائل النفس تصحَّ لكم قُواكم .
تعاونوا على البرّ و ارفعوا عنكم البغضاء و لا تأنسوا بما يفارقكم و لا
ترغبوا فيما تفقدونه قريباً و اطلبوا الفضائل التي اتفق الناس على أنها رغبة
وادفعوا المذمومات لانقباض الناس أجمعين عنها .
الحق واضحٌ و الصوابُ بينٌ و التُّقى معروف , و الأنفة ظاهرة , و المروءة مكشوفة
و العدل فضيلة محمودة .للعادة على كل شيء سلطان.
.سوء الخُلق يفسد العمل كما يفسد الصبر العسل .
.إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبوه فإذا طلبهم فاهربوا منه .
- رأى رجلاً يكثر الكلام و يُقِلُّ الاستماع فقال له : يا هذا أنصف أذنيك من فيك
, فإن الخالق سبحانه و تعالى إنما جعل لنا أذنين و لساناً واحداً لنسمع ضعفَ
ما نتكلم .
- من شكركم على غير معروف و برّ فعاجلوه بهما و إلا انعكس الشكر فصار ذماً .
- ليس ينبغي للعاقل أن يشغل قلبه فيما ذهب منه لكن يُعنى بحفظ ما بقي له .
- من لم يواس الإخوان عند دولته , خذلوه عند فاقته .
- من فضيلة العلم أنك لا تقدر أن يخدمك فيه أحدٌ كما يخدمك في سائر الأشياء
و إنما تخدمه بنفسك فلا يستطيع أحدٌ أن يسلبك إياه كما يسلبك غيره من العتاد .
- قيل له : بماذا يُعرف الحكيم أنه حكيم ؟ فقال : إذا لم يكن بما يصيب من
الرأي مُعجباً , و لما يأتي من الأمر مُتكلفاً و لم يستفزه عند الذَّمِ الغضبُ و لا
يدخله عند المدح النخوة ُ و الكِبرُ .
- قيل له بماذا ينتقم الإنسان من عدوه ؟ فقال : بأن يتزايد فضلاً في نفسه .
- كثيرٌ من الناس يرون العمى في العين فتأباه أنفسهم , فأما عمى النفس فليس
يأبونه إذ ليس يرونه فليس يستوحشون منه .
- قال لتلاميذه : لتكن عنايتكم في مالكم بما يصلح معايشكم و عنايتكم في
دينكم بما يرضي خالقكم .
- قيل له : لمَ لا يجتمع المال و الحكمة ؟ فقال لعز الكمال .
- المتكل على جدِّه المتهاون في عمله المُطرح لما يعنيه , تستدبره السعادة و
تنبو عنه كما تنبو السهام عن الصخر .
- الذي يُعلم الناس الخير و لا يعمله بمنزلة من بيده سراجٌ يضيء لغيره .
- من لم يقلقه سوء أخلاق العامة و صبر على مرارتها فذلك هو السائس الأكبر .
- ليس الملك من ملك العبيد بل من ملك الأحرار و لا الغنيُّ من جمع المال بل
من دبّر المال .
- سئل كيف ينبغي للرجل أن يصنع كي لا يحتاج ؟ فقال : إن كان غنياً فليقتصد و
إن كان فقيراً فليُدمن العمل .
- قيل له : من يخدمك ؟ فقال : الذي تخدمونه يخدمني .
- سئل : كم ينبغي للإنسان أن يكتسب من المال ؟ فقال : الذي لا يحتاج معه
إلى الملق و المداراة و لا يعوزه ما يحتاج إليه .
- معنى العقل و عمله تمييز الأشياء و تفصيلها و معنى الصدق و عمله ثبات
الأشياء في مواضعها و معنى الجهل و عمله تلبيس الأشياء و تخليطها و معنى
الكذب و عمله وضع الأشياء في غير مواضعها .
- كما تتوخى بالوديعة أهل الثقة و الأمانة كذلك يجب أن تتوخى بالمعروف أهل
الوفاء و الشكر .
- لا تثقن بأنك حكيم حتى تملك شهوتك .
- سئل ما ينبغي أن يُعلم الصبيان ؟ فقال كل العلوم التي يستحي المشايخ من أن
يكونوا لا يعلمونها .
- سأله فتى : بم نلت ما وصلت إليه من العلم ؟ فقال : بأني أفنيت زيتاً في
سراجي بأكثر من الشراب الذي شربته أنت .
- سئل : من اتقن الناس لأمور الحكمة ؟ فقال : أفهمهم لرأيه و أرغبهم في
المشورة و أوقفهم عند الشبهة حتى يمكنه طريق النظر و الامتحان .
- كما أن أواني الفخار تمتحن بأصواتها إذا قرعت فيعرف بالصوت المسموع منها
الصحيحُ من المتصدع – كذلك يمتحن الإنسان بمنطقه ليُعرف به عقله و جزالته و
طريقته .
- قيل له : من أجهل الناس في فعله ؟ فقال : أعجبهم برأيه , و أقنعهم
بتدبيره دون رأي غيره و ترك مخالفة نفسه و المتقحم في الأمور بحسن ظنه .
- الحرُّ النَّفسِ الحكيمُ هو سيدٌ لناموس الطبيعة .
- قيل له : من يسلم من سائر العيوب و قبيح الأفعال ؟ فقال : من جعلَ عقله
أمينه و حذَرَه وزيره , و المواعظ زمامه , و الصبر قائده , و الاعتصام
بالتوقي ظهيره و خوف الله جليسه و ذكر الموت أنيسه .
- قيل له : من أظلم الناس لنفسه و أوضعهم لقدره ؟ فقال : من تواضع لمن لا
يكرمه و قبل مديح من لا يعرفه .
- البهيميون الجهال إنما يقضون على الحَسَن و القبيح بقدر ما تنال حواسُّهم
الظاهرة . و إنما ترى الحواسُّ الظاهرة حُسنَ الأعضاء فأما حسن الصورة فلا
تراها إلا الحواسُّ الباطنة .
- من طلب الحكمة من طريق طلبها أدركها و إنما يخطئ أكثر مَن طلبها لأنه
يطلبها من غير طريقها .فإذا لم يدركها من تلك الطريق لم يطلبها من طريق
أخرى , بل يكذب تصورها فيحمله جهله على أن يجهل . و ذلك لأن من جهل صورة
الحكمة جهل ذاته و من جهل ذاته كان أجهل الجاهلين .
- من عرَف صورة الجهل كان عالماً و إنما الجاهل من جهل صورة الجهل .
- الغضب عزٌّ يستقبله شر .
- سوء الخُلق قلق النفس من تمرّد الطبيعة عليها .
- الملك هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار : فإن كان عذباً عذبت و
إن كان مالحاً ملحت .
- ينبغي للملك أن يداني أهل العلم و الحلم لأن العلم مدبر و الحلم وقور
صبور و الشجاعة قلقة مضجرة فإذا كانت الرياسة لأهل الشجاعة أقلقوا أهل
العلم بقلقهم و أضجروهم بضجرهم لأن الحكيم لا يقلق إلا من أهل الجهل .
- إذ أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوفِ الملتذ ابدأً بل دع فيه فضلةً تَدُم لك
تلك اللذة .
- إياك في وقت الحرب أن تستعمل النجدة و تدع العقل فإن للعقل مواقف قد تتم
بلا حاجة إلى النجدة و لا ترى للنجدة غنى عن العقل .
- إياك أن تتخطى حرفَ التدبير إلى غيره و إن أعجلك الأمر فإنك إذا أخطأت حرف
التدبير لم تتم لك غايتك .
- قول بلا عمل كمدٍ يُغرق و لا ينفع .
- سوء الخلق من استعمال سوء الظن , لأن من استعمل سوء الظن فسدَ عيشه و ساء
خُلُقه .
- لا تلتذ بشيء في العالم البتة حتى تُصلح بين الحس و العقل لئلا يفسد
أحدهما الآخر فإذا أصلح بينهما رأى الحسن حسناً و القبيح قبيحاً .
- إذا علمت أنك جهلت كان علمك بجهلك الشيء سبيلاً إلى علمك بذلك الشيء .
- لا تمدح الشيء أكثر من قدره فإنك إن وصفت الشيء أكثر من قدره فبعد قليلٍ
يبين عن ذاته و عن جهلك فلا يكون مديحك حينئذ مديحاً للشيء بل تنقصاً لنفسك .
- غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه .
- سئل : متى يضجر العاقل ؟ قال : إذا حملته على مجاهدة الجاهل .
- إذا رأيت العقل تاماً فالشهوة هناك مريضة ضعيفة .
- الطبيعة خادمة النفس إلا أن تسكر النفس فتستخدمها الطبيعة و سُكر النفس هو
تركها فعل الفضائل و استعمال الرذائل و استعباد الطبيعة لها هو أن تجرها
إلى لذات هذا العالم و تُنسيها لذات ذلك العالم .
- الدليل على ضعف الإنسان أنه ربما أتاه الحظ من حيث لا يحتسب و المكروه من
حيث لم يرتقب .
- إحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة و إحسانك إلى الخسيس يحركه على
معاودة المسألة .
- الخير من العلماء من رأى الجاهل بمنزلة الطفل الذي هو بالرحمة أحقُّ منه
بالغلظة و يعذره لنقصه فيما فرط منه و لا يعذر نفسه في التأخر عن هدايته و
احتمال المشقة في تقويمه فإن أفضل شأن العالم تقويمه مَن دونه في المعرفة .
- إن حياة النفس و قوامها بأعمالها المحصنة لها من الآفات حتى لا يدنو منها
شيء يمسها فيكون ذلك قتلاً للنفس فإنها إن لم يقتلها ذلك لم يقدر أحدٌ على
قتلها لأنها غالبة على الجسد مرتفعة عنه و ممتنعة بلطفها من أن ينظر إليها
الموت الناظر إلى الجسد فهو لا يراها و هي تراه بفضل لطفها عليه .
- ينبغي للعاقل أن يكون رقيباً على نفسه فيستعظم خطأه و يستصغر صوابه و لا
يكترث به لأن الصواب داخلٌ في شرط إنسانيته .
- الأخيار هم الذين تكون حركتهم إلى منافع الناس أسهل عليهم من حركتهم إلى
الإضرار بهم و مكافأتهم على الخير أكثر من مكافأتهم على القبيح و الأشرار
بخلاف ذلك .
- ليس ينتفع بالعلم سارقٌ له و لا محتال فيه لأن هاتين الرذيلتين لا تكونان
إلا في نفسٍ قبيحة النظام لا يزكو فيها العلم و لا يتم .
- شرف العقل على الهوى أن العقل يُملكك الزمان و الهوى يستعبدك له .
- لا تهب نفسك لغير عقلك فتسيء ملكتها و تضيع زمانها و ترذلها بسوء العادة
لها .
- قال فيما أملاه على أرسطاليس : اعرف الله و حقه و أدم عنايتك بالعلم و
التعليم الصالح أكثر من عنايتك بغذائك يوماً بعد يوم . لا تسأل الله إلا ما
يدوم لك نفعه أبداً , فإن كل المواهب منه بل يجب أن تساله النعمة الباقية
معك أبداً . كن متيقظاً أبداً فإن علل الشرور كثيرة . لا تلهو ما لا ينبغي أن
تفعله . لا ينبغي لك أن تهوى حياة صالحة فقط بل و موتاً صالحاً . و لا تعتد
الحياة و الموت صالحين إلا أن تكسب بهما البر. و لا تنم حتى تحاسب نفسك على
ثلاث خصال : هل أخطأت في يومك ؟ و ما اكتسبت فيه من البرّ ؟ و ما كان ينبغي
لك أن تعمل فيه من الخير فقصّرت عنه ؟
ليس الحكيم التام من فرح بشيء من هذا العالم أو جزع لشيء من مصيباته و اغتم
له . أدم ذكر الموت و الاعتبار بالموت . تُعرف خساسة عقل المرء بكثرة كلامه
فيما لا يعنيه و إخباره بما لا يُسأل عنه و لا يراد منه . فكّر مراراً ثم تكلم
و افعل فإن الأشياء متغيرة . لا يسرع للغضب فيتسلط عليك بالعادة . لا تؤخر
إنالة المحتاج إلى غدٍ فإنك لا تدري ما يعرض في غد . أعن المبتلي إن لم يكن
سوءُ عمله ابتلاه . لا تحب القنية الحسنة فتضطر إلى البعد من محبة الله عز
وجل . لا تكن حكيماً بالقول فقط بل كن حكيماً بالعمل فإن الحكمة التي تكون
بالقول في هذا العالم تبقى و الحكمة التي تكون بالعمل تنفعك في العالم
الباقى و ليس الشرف عند الله – تعالى ذكره- الحكمة بالقول بل الشرف عند
الله تعالى بالأعمال الصالحة . و إن تعبت في البر فإن التعب يزول و البر
يبقى لك , و إن التذذت بالإثم فإن اللذة تزول و الإثم باقٍ عليك . *