السبت، 8 ديسمبر 2012

أصل الكون

أصل الكون - 


      قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ
      وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ
      كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30) .
      نزل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مجتمع ساد فيه
      الجهل والخرافة وانحط فيه التفكير حتى وصل بهم أن يعبدوا حجارة ينحتون منها
      أصناماً ويقدمون لها القرابين والنذور ؟ وفي هذه الأجواء يتكلم القرآن الكريم
      عن أعقد حقائق الكون وأهمها وهي حقيقة خلقه من عدم بوساطة حدث هائل يسميه
      علماء الفلك الضربة الكبرى والقرآن يسميه الفتق وهذا الاكتشاف التي لم يتوصل
      الإنسان إلى كن حقيقتها إلا بعد سنوات طويلة من البحث المضني وإنفاق الأموال
      الطائلة وإن هذه الحقائق التي أشار إليها القرآن الكريم إن دلت على شيء فهي
      تدل على أن هذا لقرآن الكريم هو من عند خالق السماوات والأرض ..
      معاني الألفاظ:
      يقول ابن منظور وغيره من علماء اللغة العربية : والرتق ضد الفتق أي بمعنى
      الشق والفصل بين شيئين ملتصقين، أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ببعضها
      ثم فتقها الله سبحانه وتعالى أي جعلها منفصلين عن بعضهما .
      و لقد جاء علم الفلك ليظهر هذه الحقيقة التي ذكرها الله في كتابه وتلاها نبيه
      على المسلمين قبل ألف وأربعمائة سنة :
      يرجع العلماء الفلكيون نشأة الكون إلى 13.7 مليار عام وذلك طبقاً لما أعلنته
      إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مؤخراً حيث حدثت حادثة تعرف باسم
      الضربة الكبرى (Big bang) وهي حادثة بداية الكون .
      و يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً، إذ كانت المادة الموجودة
      حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية تتركز فيها كتلة
      الكون .
      و من الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى(Big bang) لنشأة الكون :
      1. حركة التباعد المجرية الظاهرة فقد أعلن العالم عالم الفلك الأمريكي
      المشهور هابل عام 1929 بأن المجرات تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات و تخضع
      لعلاقة طردية ( استطرادية ) مباشرة بين المسافة و الزحزحة الطيفية نحو الأحمر
      و استنتج وفقاً لظاهرة دوبلر[1] أن الكون يتمدد ولقد تمكن هابل في عام 1930من
      إيجاد هذه العلاقة و سميت باسمه وهي تنص بأن " سرعة ابتعاد المجرات الخارجية
      تتناسب طردياً مع بعدها عنا" وتفسير قانون هابل هو أن الأجرام السماوية في
      الكون تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات، أي أن الكون في حالة تمدد أينما
      كان موقعنا في الكون[2] ، قال تعالى : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
      وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ {47}[سورة الذاريات]، وإذا عُدنا بهذا الاتساع الكوني
      الراهن إلى الوراء مع الزمن فإن كافة ما في الكون من صور المادة والطاقة
      والمكان والزمان لابد أن تلتقي في جرم واحد‏,‏ متناه في ضآلة الحجم.
      2. اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون المدرك‏:‏
      وقد اكتشفها بمحض المصادفة باحثان بمختبرات شركة بل للتليفونات بمدينة
      نيوجرسي هما أرنو أ‏.‏بنزياس(ArnoA.Penzias)‏وزميله روبرت و‏.‏ ويلسون
      (RobertW.Wilson)‏ في سنة‏1965‏ م على هيئة إشارات راديوية منتظمة وسوية
      الخواص‏,‏ قادمة من كافة الاتجاهات في السماء‏,‏ وفي كل الأوقات دون أدني
      توقف أو تغير‏,‏ ولم يتمكنوا من تفسير تلك الإشارات الراديوية‏,‏ المنتظمة‏,‏
      السوية الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني
      العظيم‏,‏ وقد قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات
      مطلقة‏(‏ أي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي ـ‏273‏ درجة مئوية‏)‏.

      وفي نفس الوقت كانت مجموعة من الباحثين العلميين في جامعة برنستون تتوقع
      حتمية وجود بقية للإشعاع الناتج عن عملية الانفجار الكوني الكبير‏,‏ وإمكانية
      العثور على تلك البقية الإشعاعية بواسطة التليسكوبات الراديوية‏,‏ وذلك بناء
      على الاستنتاج الصحيح بأن الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار تلك قد صاحب
      عملية التوسع الكوني‏,‏ وانتشر بانتظام وسوية عبر كل من المكان والزمان في
      فسحة الكون‏,‏ ومن ثم فإن بقاياه المنتشرة إلى أطراف الجزء المدرك من الكون
      لابد أن تكون سوية الخواص‏,‏ ومتساوية القيمة في كل الاتجاهات‏,‏ ومستمرة
      ومتصلة بلا أدني انقطاع‏,‏ وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الإشعاع الكوني لابد أن
      يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم‏,‏ بمعني أن كمية الطاقة الناتجة عنه في
      مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجة حرارة ذات قيمة محددة‏,‏ وأن هذه الحرارة
      التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقة عند لحظة الانفجار
      الكوني لابد أن تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشرة بلايين من السنين
      على الأقل‏,‏ إلى بضع درجات قليلة فوق الصفر المطلق‏.‏ وانطلاقا من تلك
      الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون دعم عظيم
      لنظرية الانفجار الكوني‏,‏ وقضاء مبرم على نظرية ثبات الكون واستقراره التي
      اتخذت لتكون لنفي الخلق‏,‏ وإنكار الخالق‏(‏ سبحانه وتعالى‏)‏ منذ مطلع القرن
      العشرين‏.‏

      ولم تكن مجموعة جامعة برنستون بقيادة كل من روبرت دايك(RobertDicke),‏
      ب‏.‏ج‏.‏ إ‏.‏ بيبلز(P.J.E.Peebles)،‏ ديفيد رول(DavidRoll)‏ وديفيد ولكنسون
      (DavidWilkinson)‏هي أول من توقع وجود الخلفية الاشعاعية للكون‏,‏ فقد سبقهم
      إلى توقع ذلك كل من رالف ألفر ‏(RalphAlpher)‏ وروبرت هيرمان (RobertHerman)‏
      في سنة‏1948‏ م وجورج جامو
      (GeogeGamow)‏ في سنة‏1953‏ م ولكن استنتاجاتهم أهملت ولم تتابع بشيء من
      الاهتمام العلمي فطويت في عالم النسيان‏.‏
      3. تصوير الدخان الكوني على أطراف الجزء المدرك من الكون‏:‏
      في سنة‏1989‏ م أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA)‏ مركبة فضائية باسم
      مستكشف الخلفية الكونية أو‏(‏كوبي‏CosmicBackgroundExplorer أو COBE)‏ وذلك
      لدراسة الخلفية الإشعاعية للكون من ارتفاع يبلغ ستمائة كيلو متر حول الأرض‏,‏
      وقد قاست تلك المركبة درجة الخلفية الإشعاعية للكون وقدرتها بأقل قليلا من
      ثلاث درجات مطلقة‏(‏ أي بحوالي‏2,735+0,06‏ من الدرجات المطلقة‏)‏ وقد أثبتت
      هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويها التام في الخواص قبل الانفجار وبعده
      أي من اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم‏,‏ وانتشار الإشعاع في كل
      من المكان والزمان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية التي تعرف
      باسم المادة الداكنة (DarkMatter)‏ بعد ذلك

      هذه صورة لبقايا الغبار الكوني الذي تم تصويره عام 1995بواسطة تلسكوب هابل .
      كذلك قامت تلك المركبة الفضائية بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية
      الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون‏(‏ على بعد عشرة مليارات من
      السنين الضوئية‏),‏ وأثبتت أنها حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق
      السماوات والأرض‏,‏ وقد سبق القرآن الكريم جميع المعارف الإنسانية بوصف تلك
      الحالة الدخانية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالى‏:‏
      (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ
      ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)
      وكان في اكتشاف هذا الدخان الكوني ما يدعم نظرية الانفجار الكوني العظيم‏.‏
      4. عملية الاندماج النووي وتأصل العناصر‏:‏تتم عملية الاندماج النووي في داخل
      الشمس وفي داخل جميع نجوم السماء بين نوى ذرات الإيدروجين لتكوين نوى ذرات
      أثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة،‏ وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج الصحيح
      بتأصيل العناصر بمعني أن جميع العناصر المعروفة لنا والتي يبلغ عددها أكثر من
      مائة عنصر قد تخلقت كلها في الأصل من غاز الإيدروجين بعملية الاندماج
      النووي‏,‏ فإذا تحول لب النجم المستعر إلى حديد انفجر النجم وتناثرت أشلاؤه
      في صفحة السماء حيث يمكن لنوى الحديد تلقي اللبنات الأساسية للمادة من صفحة
      السماء فتتخلق العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد وقد جمعت هذه
      الملاحظات الدقيقة من جزيئات الجسيمات الأولية للمادة وعلم الكون‏ وأيدت
      نظرية الانفجار العظيم التي بدأت بتخلق المادة وأضدادها مع اتساع الكون‏
      وتخلق كل من المكان والزمان‏‏ ثم تخلق نوى كل من الإيدروجين والهيليوم
      والليثيوم‏ ثم تخلق بقية العناصر المعروفة لنا‏ ولذا يعتقد الفلكيون في أن
      تخلق تلك العناصر قد تم على مرحلتين‏ نتج في المرحلة الأولى منهما العناصر
      الخفيفة‏ وفي المرحلة الثانية العناصر الثقيلة‏ والتدرج في تخليق العناصر
      المختلفة بعملية الاندماج النووي في داخل النجوم أو أثناء انفجارها على هيئة
      فوق المستعرات هو صورة مبسطة لعملية الخلق الأول يدعم نظرية الانفجار العظيم
      ويعين الإنسان على فهم آلياتها‏,‏ والحسابات النظرية لتخليق العناصر بعملية
      الاندماج النووي تدعمها التجارب المختبرية على معدلات تفاعل الجسيمات الأولية
      للمادة مع نوى بعض العناصر‏,‏ وقد بدأ هذه الحسابات هانز بيته ‏ (HansBethe)
      في الثلاثينات من القرن العشرين‏ وأتمها وليام فاولر ‏(WilliamFowler)‏ الذي
      منح جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع آخرين في سنة‏1983‏ تقديرا لجهوده في
      شرح عملية الاندماج النووي‏ ودورها في تخليق العناصر المعروفة‏,‏ ومن ثم
      المناداة بتأصل العناصر‏,‏ وهي صورة مصغرة لعملية الخلق الأول‏.
      6. التوزيع الحالي للعناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون‏
      تشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون
      إلى أن غاز الإيدروجين يكون أكثر قليلا من‏74%‏ من مادته‏,‏ ويليه في الكثرة
      غاز الهيليوم الذي يكون حوالي‏24%‏ من تلك المادة‏,‏ ومعنى ذلك أن أخف عنصرين
      معروفين لنا يكونان معا أكثر من‏98%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏ وأن ما بقي ‏
      من العناصر المعروفة لنا يكون أقل من‏2%,‏ مما يشير إلى تأصل العناصر‏,‏
      ويدعم نظرية الانفجار العظيم‏,‏ لأن معظم النماذج المقترحة لتلك النظرية تعطي
      حوالي‏75%‏ من التركيب الكيميائي لسحابة الدخان الناتجة من ذلك الانفجار غاز
      الإيدروجين‏,25%‏ من تركيبة غاز الهيليوم‏,‏ وهي أرقام قريبة جدًا من التركيب
      الكيميائي الحالي للكون المدرك‏,‏ كما لخصها عدد من العلماء من مثل‏:‏
      ‏Alpher,Gamow,Wagonar,Fowler Hoyle,Schramm, Olive,Walker,Steigman,Rang,etc
      هذه الشواهد وغيرها دعمت نظرية الانفجار الكوني العظيم وجعلتها أكثر النظريات
      المفسرة لنشأة الكون قبولاً في الأوساط العلمية اليوم‏,‏ ونحن المسلمين نرقى
      بهذه النظرية إلى مقام الحقيقة الكونية لورود ما يدعمها في كتاب الله الذي
      أنزل من قبل ألف وأربعمائة من السنين يخبرنا بقول الخالق‏ سبحانه وتعالى:
      (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا
      رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ
      أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30).
      7. إعلان وكالة أبحاث الفضاء الأمريكية ناسا أن عمر الكون بـ13.7 مليار سنة
      ضوئية وذلك من خلال استعمال مجسات فضائية متطورة جداً ومناظير إلكترونية
      محمولة على أقمار صناعية، وهذا الاكتشاف إقرار من الوكالة إلى أنه كان لهذا
      الكون بداية[3].
      8. تبين أن العناصر التي تكون قشرة الأرض هي نفسها العناصر التي تتكون منها
      النجوم والشهب والكواكب وذلك من خلال دراسة الأطياف الضوئية التي تصدر عن
      ذرات العناصر التي تكون النجوم والشهب ومقارنتها مع الأطياف اللونية التي
      تصدر عن العناصر والذرات في الأرض، و يقول العلماء إن الكون يتوسع من الضربة
      الكبرى، ولا يوجد دليل بأنه سيتمدد للأبد بل إنهم يعتقدون أنه سوف يتباطأ
      تمدده تدريجياً، ثم يقف، وبعدها ينقلب على نفسه، ويبدأ بالتراجع في حركة
      تقهقرية وهذا مصداق لقوله تعالى يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ
      السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً
      عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:104) والقرآن الكريم يخبرنا
      أكثر عن هذا فيصف لنا حركته على أنه حركة حلزونية : فيصف لنا حركة طي السماء
      أي حركة العودة إلى نقطة البداية أنها حركة حلزونية وذلك من خلال تشبيهها
      بحركة طي السجل للكتب والسجل هو ورق البردي الذي كان يكتب عليه فكان يطوى
      بحركة حلزونية تدور حول محور ثابت والله سبحانه وتعالى يقول لنا في نهاية
      الآية (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا
      كُنَّا فَاعِلِينَ) أي إن حركة بدأ الكون تشبه حركة إعادة الكون إلى لحظة
      البدء والتي وصفها القرآن الكريم بالطي وهذه تدل على أن الكون سوف يكون
      ممدداً فيطويه الله تعالى أما كيفية الطي هذه فقد شرحها الله سبحانه وتعالى
      في قوله (كطي السجل للكتب ) أي كما يطوي الكاتب ورق البردي وهذا إعجاز كوني
      عظيم لم يكتشفه علماء الفلك إلا بعدما قاموا بتصوير المجرات التي يتكون منها
      الكون فوجدوا أنها تتباعد بحركة حلزونية عن بعضها كما أن كل المجرات تتوسع
      وتتباعد نجومها عن بعضها البعض بحركة متباعدة حلزونية تشبه كحركة فتح كتاب
      ورق البردي القديم من أجل القراءة بعد ما يكون مطوياً وأنها تدور حول محور
      ثابت هو محور المجرة كما أن المجرات كلها أيضاً تدور بحركة حلزونية حول محور
      ثابت هو محور الكون فهي تماماً تشبه حركة فتح ورق البردي للقراءة وكما أن أن
      ورق البردي عند فتحه يصبح منبسطاً ممتداً كذلك يصبح الكون في مرحلة من
      مراحله، ويقول العلماء أن الكون سوف ينكمش على نفسه بفعل قوى رد الفعل وقوى
      الجذب الداخلي على نفسه لينكمش بشكل يعاكس شكل التمدد قال تعالى يَوْمَ
      نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ
      خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)
      (الانبياء:104) أي كطي السجل للكتب وهذا تماماً ما أثبته العلم الحديث من
      أخبر محمداً بهذه الحقيقة الكونية إنه رب العالمين (4).
      خلق الكون من العدم

      في حلتها القياسية، تفترض نظرية الانفجار الكبير أن كل أجزاء الكون بدأت
      بالتمدد آنياً، ولكن كيف استطاعت كل الأجزاء المختلفة للكون أن تتواقت في
      بداية تمددها ؟ من الذي أعطى ذلك الأمر ؟
      أندري ليندي أستاذ علم الكون [1]
      قبل قرن مضى كان خلق الكون مفهوماً غامضاً ومهملاً لدى الفلكيين، والسبب في
      ذلك هو القبول العام لفكرة أن الكون أزلي في القدم وموجود منذ زمن لا نهائي
      وبفحص الكون افترض العلماء أنه كان مزيجاً من مادة ما ويظن أنها لم تكن ذات
      بداية، كما أنه لا توجد لحظة خلق . تلك اللحظة التي أتى فيها الكون وكل شيء
      للوجود .
      تتلاءم هذه الفكرة وهي " سرمدية الوجود " تماماً مع الأفكار الأوربية
      المقتبسة من الفلسفة المادية، وهذه الفلسفة نمت وتقدمت أصلاً في العالم
      الإغريقي القديم .
      و تضمنت أن المادة كانت الشيء الوحيد الموجود في الكون، وأن الكون وجد في
      الزمن اللانهائي، وسوف يبقى إلى الأبد.
      هذه الفلسفة عاشت في أشكال مختلفة خلال الأزمنة الرومانية، لكن في فترة
      الإمبراطورية الرومانية القريبة والعصور الوسطى صارت المادية تنحدر نتيجة
      تأثير الكنيسة الكاثوليكية والفلسفة المسيحية علي يد رينايسانس ثم بدأت تجد
      قبولاً واسعاً بين علماء أوروبا ومثقفيها، وكان سبب ذلك الاتساع هو الحب
      الشديد للفلسفة الإغريقية القديمة .
      ثم ما لبث الفيلسوف ( إيمانويل كانت ) في عصر النهضة الأوربية أن أعاد مزاعم
      المادية ودافع عنها، وأعلن ( كانت ) أن الكون موجود في كل الأزمان، وأن كل
      احتمالية ( إن كانت موجودة ) فسوف ينظر إليها على أنها ممكنة .
      و استمر أتباع ( كانت ) في الدفاع عن فكرته في أن الكون لا نهائي ومتماشٍ مع
      النظرية المادية، ومع بداية القرن التاسع عشر صارت فكرة أزلية الكون وعدم
      وجود لحظة لبدايته مقبولة بشكل واسع، وتم نقل تلك الفكرة إلى القرن العشرين
      من خلال أعمال الماديين الجدليين من أمثال ( كارل ماركس) و( فريدريك أنجلز )
      .
      تتلاءم هذه الفكرة عن الكون اللامتناهي تماماً مع الإلحاد، وليس من الصعب
      معرفة السبب لأن فكرة أن للكون بداية تقتضي أنه مخلوق، وطبعاً هذا يتطلب
      الإقرار بوجود خالق وهو الله، لذلك كان من المريح جداً وأكثر سلامة بأن يدار
      العرض بطريقة خادعة فتوضع أولاً فكرة أن " الكون موجود سرمدي " حتى ولو لم
      يكن هناك قاعدة علمية ولو كانت ضعيفة لتأكيد تلك الفكرة .
      أعتنق ( جورج بوليتزر ) تلك الفكرة ودافع عنها في كتبة المنشورة في أوائل
      القرن العشرين، وكان النصير الغيور لكلا النظريتين الماركسية والمادية، وآمن
      بفكرة الكون اللامتناهي وعارض بولتزر فكرة الخلق في كتابه " المبادئ الأساسية
      في الفلسفة " حيث كتب :
      " الكون ليس شيئاً مخلوقاً، فإذا كان كذلك فهذا يقتضي أنه خلق في لحظة ما من
      قبل إله، وبالتالي ظهر إلى الوجود من لا شيء، ولقبول الخلق يجب على الإنسان
      أن يقبل في المقام الأول أنه كانت توجد لحظة لم يكن فيها الكون موجوداً، ثم
      انبثق شيء من العدم، وهذا أمر لا يمكن للعلم أن يقبل به" .
      كان بوليتزر يتصور أن العلم يقف إلى جانبه في رفضه لفكرة الخلق ودفاعه عن
      فكرة الكون السرمدي، بيد أنه لم يمض زمن طويل حتى أثبت العلم الحقيقة التي
      افترضها بوليتزر بقوله " .. وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي القبول بفكرة
      الخالق .." بمعنى أنه أثبت حقيقة أن للكون بداية .
      تمدد الكون واكتشاف الانفجار الكبير :
      كانت الأعوام التي تلت 1920هامة في تطور علم الفلك الحديث، ففي عام 1922 كشف
      الفيزيائي الروسي ألكسندر فريدمان حسابات بين فيها أن تركيب الكون ليس ساكناً
      . حتى أن أصغر اندفاع فيه ربما كان كافياً ليسبب تمدد التركيب بأكمله أو
      لتقلصه وذلك طبقاً لنظرية أينشتاين في النسبية .
      وكان جروج لوميتر أول من أدرك أهمية الأعمال التي كان فريدمان يقوم بها وبناء
      على تلك الحسابات أعلن الفلكي البلجيكي لوميتر أن للكون بداية، وأنه في تمدد
      متواصل، وصرح أيضاً أن معدل الإشعاع يمكن استخدامه كمقياس عقب حدوث ذلك الشيء
      .
      لم تحض التأملات النظرية لهذين العالمين في تلك الفترة باهتمام يذكر، غير أن
      الأدلة التي نتجت عن الملاحظات العلمية في عام 1929كان لها وقع الصاعقة في
      دنيا العلم، ففي ذلك العام توصل الفكي الأمريكي الذي يعمل في مرصد جبل ويلسون
      في كاليفورنيا إلى واحد من أعظم الاكتشافات في تاريخ علم الفلك .
      فمن رصد لعدد من النجوم من خلال تلسكوبه العملاق اكتشف أن ضوءها كان منحرفاً
      نحو الطرف الأحمر من الطيف وبشكل حاسم، وأن ذلك الانحراف كان مرتبطاً مباشرة
      مع بعد النجوم عن الأرض، وهذا الاكتشاف هز قواعد المفهوم الذي كان شائعاً
      للكون .
      وفق القوانين الفيزيائية المميّزة إن أطياف الحزم الضوئية المسافرة نحو نقطة
      الرصد تميل نحو الطرف البنفسجي من الطيف، بينما أطياف حزم الضوء المسافرة
      بعيداً عن نقطة الرصد تميل نحو الأحمر، تماماً مثل صوت صفارة القطار أثناء
      حركته بعيداً عن الرصد فإن ذلك الصوت يكون خشناً غليظاً أما إذا كان القطار
      مقترباً فإن الصوت المسموع يكون حاداً ورفيعاً .
      و قد أظهرت أرصاد هابل وفق هذا المبدأ أن الأجرام السماوية تتحرك بعيداً عنا،
      وبعد فترة وجيزة توصل هابل إلى اكتشاف آخر مهم، وهو أن النجوم لم تكن تتباعد
      عن الأرض بل كانت تتباعد عن بعضها البعض أيضاً، والاستنتاج الوحيد لتلك
      الظاهرة هو أن كل شيء في الكون يتحرك بعيداً عن كل شيء فيه، وبالتالي فالكون
      يتمدد بانتظام وتؤدة .
      و جد هابل دليلاً رصدياً لشيء ما كان جورج لوميتر تنبأ به قبل فترة قصيرة من
      الزمن، وأحد أعظم عقول عصرنا كان قد ميز ذلك الأمر قبل خمس عشرة سنة بعده،
      ففي عام 1915 استنتج العالم ألبرت أنشتاين أن الكون لا يمكن أن يكون ساكناً
      لأن حساباته المبنية على نظريته المكتشفة حديثاً وهي النسبية تشير إلى ذلك …
      ( وهكذا تحققت استنتاجات فريدمان ولوميتر) ولقد صدم أنيشتاين ذاته باكتشافاته
      فأضاف ثابتاً كونياً لمعادلاته لكي يجعل إجاباتها الناتجة عنها صحيحة، لأن
      الفلكيين أكدوا له أن الكون ثابت وأنه لا توجد طريقة أخرى لجعل معادلاته
      تتطابق مع مثل ذلك النموذج، وبعد سنوات اعترف أنيشتاين أن ذلك الثابت الكوني
      الذي أضافه كان أكبر خطأ ارتكبه في أعماله .

      صورة لأدوين هابل أمام تلسكوبه
      لقد قاد اكتشاف هابل لحقيقة الكون المتمدد لانبثاق نموذج آخر كان ضرورياً لكي
      لا يكون هناك عبث، ولكي يجعل نتائج معادلاته صحيحة، فإذا كان الكون يتضخم
      ويكبر مع مرور الوقت فهذا يعني أن العودة إلى الخلف تقودنا نحو كون أصغر، ثم
      إذا عدنا إلى الخلف أكثر ( لمدى بعيد )، فإن كل شيء سوف ينكمش ويتقارب نحو
      نقطة واحدة، والنتيجة الممكن التوصل إليها من ذلك هو أنه في وقت ما كانت كل
      مادة الكون مضغوطة في كتلة نقطية واحدة لها حجم صفر بسبب قوة النقطية ذات
      الحجم الصفر، وهذا الانفجار الذي وقع سمي بالانفجار الكبير .
      توجد حقيقة أخرى مهمة تكشفها نظرية الانفجار الكبير، فلكي نقول أن شيئاً ما
      له حجم صفر فهذا يكافئ القول بأنه لم يكن هناك شيء، وأن كل الكون خلق من ذلك
      اللاشيء، والأكثر من ذلك أن للكون بداية وهذا عكس ما ذهبت إليه المادية من أن
      الكون لا أول له ولا آخر .
      فرضية الحالة الثابتة :
      سرعان ما اكتسبت نظرية الانفجار الكبير قبولاً واسعاً في الأوساط العلمية
      بسبب الدليل الواضح القاطع لها، ومع ذلك فإن الفلكيين الذين فضوا المادية
      وتشيعوا لفكرة الكون اللامتناهي والتي يبدو أن المادية تقر بها، صاروا يحملون
      على الانفجار الكبير ويناضلون ضدها ليدعموا العقيدة الأساسية لمذهبهم الفكرية
      ( الإيديولوجية ) .
      و السبب أوضحه الفلكي الإنكليزي آرثر أدينغتون الذي قال : " فلسفياً : إن
      فكرة البداية المفاجئة ( المكتشفة ) في النظام الحالي للطبيعة هي بغيضة لي "
      فلكي آخر عارض نظرية الانفجار الكبير هو فريد هويل، ففي منتصف القرن العشرين
      أتى هذا الفلكي ينموذج جديد ودعاه بالحالة الثابتة، وكان امتداداً لفكرة
      المتضمن أن الكون يتمدد، فافترض هويل وفق هذا النموذج أن الكون كان لامتناه
      في البعد والزمن، وأثناء التمدد تنبثق فيه مادة جديدة باستمرار من تلقاء
      نفسها بكمية مضبوطة تجعل الكون في حالة ثابتة . وواضح أن هدفه كان دعم عقيدة
      وجود المادة في زمن لامتناه والتي هي أساس فلسفة الماديين، وهذه النظرية كانت
      على خلاف كلي مع نظرية الانفجار الكبير، والتي تدافع عن أن للكون بداية،
      والذين دعموا نظرية هويل في ثبات الحالة ظلوا يعارضون بصلابة الانفجار الكبير
      لسنوات عديدة، ومع ذلك فالعلم كان يعمل ضدهم .
      انتصار الانفجار الكبير :
      في عام 1948 طور العالم جورج كاموف حسابات جورج لوميتر عدة مراحل لأمام وتوصل
      إلى فكرة جديدة تتعلق بالانفجار الكبير، مفادها أنه إذا كان الكون قد تشكل
      فجأة فإن الانفجار كان عظيماً ويفترض أن تكون هناك كمية قليلة محددة من
      الإشعاع تخلفت عن هذا الانفجار والأكثر من ذلك يجب أن يكون متجانساً عبر
      الكون كله .
      خلال عقدين من الزمن كان هناك برهان رصدي قريب لحدس عاموف، ففي عام 1965 قام
      باحثان هما آرنوبنزياس وروبرت ويلسون بإجراء تجربة تتعلق بالاتصال اللاسلكي
      وبالصدفة عثر على نوع من الإشعاع لم يلاحظه أحد قبل ذلك وحتى الآن، وسمي ذلك
      بالإشعاع الخلفي الكوني، وهو لا يشبه أي شيء ويأتي من كل مكان من الكون وتلك
      صفة غريبة لا طبيعية، فهو لم يكن موجوداً في مكان محدد.
      و بدلاً من ذلك كان متوزعاً بالتساوي في كل مكان، وعرف فيما بعد أن ذلك
      الإشعاع هو صدى الانفجار الكبير، والذي مازال يتردد منذ اللحظات الأولى لذلك
      الانفجار الكبير .
      و بحث غاموف عن تردد ذلك الإشعاع فوجد أنه قريب وله القمية نفسها التي تنبأ
      بها العلماء، ومنح بنزياس وويلسون جائزة نوبل لاكتشافهم هذا .
      في عام 1989 أرسل جورج سموت وفريق عمله في ناسا تابعاً اصطناعياً للفضاء،
      وسموه مستكشف الإشعاع الخلفي الكوني (cobe) وكانت ثمانية دقائق كافية للتأكد
      من النتائج التي توصل إليها ك لمن بنزياس وويلسون، وتلك النتائج النهائية
      الحاسمة قررت وجود شيء ما له شكل كثيف وساخن بقي من الانفجار الذي أتى منه
      الكون إلى الوجود، وقد قرر العلماء أن ذلك التابع استطاع التقاط وأسر بقايا
      الانفجار الكبير بنجاح .
      و إلى جانب نظرية الانفجار الكبير فثمة دليل آخر مهم يتمثل في كمية غازي
      الهيدروجين والهليوم في الكون . فقد أشارت الأرصاد أن مزج هذين العنصرين في
      الكون أتى مطابقاً للحسابات النظرية لما يمكن أن يكون قد بقي منهما بعد
      الانفجار الكبير، مما أدى لدق إسفين قي قلب نظرية الحالة الثابتة، لأن إذا
      كان الكون موجوداً وخالداً ولم يكن له بداية فمعنى ذلك أن كل غاز الهيدروجين
      يجب أن يكون قد احترق وتحول إلى غاز الهليوم .
      و بفضل جميع هذه الأدلة كسبت نظرية الانفجار الكبير القبول شبه الكامل من قبل
      الأوساط العلمية . وفي مقالة صدرت في عام ( 1994) في مجلة ( الأمريكية
      العلمية ) ذكر أن نموذج الانفجار الكبير هو الوحيد القادر على تعليل تمدد
      الكون بانتظام، كما أنه يفسر النتائج المشاهدة .
      كان دفاع (دنيس سياما) عن نظرية الحالة الثابتة طويلاً مؤيداً في ذلك فريد
      هويل لكنه عندما واجه دليل الانفجار الكبير وصف ذلك المأزق بقوله : " في
      البداية كان لي موقف مع هويل لكن عندما بدأ الدليل بالتعاظم كان يجب عليّ أن
      أقبل بأن المباراة انتهت وأن نظرية الحالة الثابتة يجب أن تلغي " 5
      من الذي خلق الكون من لا شيء :
      بانتصار الانفجار الكبير فإن دعوى الكون اللامتناهي الذي يشكل أساس العقيدة
      المادية أصبحت في مهب الريح، لكن الماديين أثاروا سؤالين اثنين وكانا غير
      ملائمين وهما ماذا كان يوجد قبل الانفجار الكبير ؟ وما هي القوة التي سببت
      الانفجار الأعظم الذي وقع في الكون ولم تكن موجودة قبلاً؟
      ماديون آخرون مثل آرثر أدنيغتون أدركوا أن الإجابات على مثل تلك الأسئلة تشير
      إلى وجود خالق أسمى وهم لا يحبون ذلك . وقد علق الفيلسوف الملحد ( أنطوني
      فلو) على تلك النقطة بقوله :
      " الاعتراض جيد للروح وهذا قول مشهور لذلك سأبدأ بالاعتراف بأنه على الملحد
      مهما كانت طبقته أن يرتبك من هذا التوافق العلمي الكوني المعاصر، لأنه على ما
      يبدو أن علماء الكون اليوم يقدمون برهاناً علمياً لما ناضل من أجله (
      السيرتوماس ) ولم يستطع البرهان عليه فلسفياً، وبالتحديد الاسمى هو أن للكون
      بداية، وطالماً أن الفكرية مريحة في عدم وجود بداية أو نهاية للكون .
      فيبقى هذا الأمر بشكله الوحشي أسهل للمناقشة، ومهما كانت مظاهر الأساسية فيجب
      قبولها على أنها قمة التفسيرات، ومع اعتقادي بأن فكرة أن للكون بداية ستبقى
      صحيحة مع ذلك فهي ليست سهلة ولا مريحة، ونحن بالتأكيد سنحافظ على موقفنا في
      مواجهة قصة الانفجار الكبير " 6
      كثيرون هم العلماء الذين لا يجبرون أنفسهم على أن يقبلوا وجود خالق له قدرة
      لا نهائية فمثلاً عالم الفيزياء الفلكي الأمريكي (هيوج روس ) يفترض وجود خالق
      للكون، وهذا الخالق هو فوق كل الأبعاد الفيزيائية وهنا يقول (روس ) مايلي :
      " بالتعريف : الزمن هو البعد الذي تحدث فيه ظواهر السبب والتأثير، وأنه بدون
      زمن لا يوجد سبب وتأثير، وإذا كانت بداية الكون كما تقول نظرية الفضاء والزمن
      عندئذ يكون سبب الكون هو كينونة عملت في بعد زمني مستقل تماماً ويسبق وجود
      هذا البعد الزمني للكون .. وهذا يخبرنا بأن بالخالق متعال وخلف نطاق الخبرة
      والمعرفة، ويعمل من خلف الحدود البعيدة للكون، كما يخبرنا أن الله ليس هو
      الكون ذاته ولا هو محتوى ضمن الكون "
      الاعتراضات على الخلق وفشلها :
      من الواضح والمؤكد أن الانفجار الكبير تعني أن خلق الكون كان من لاشيء، وهذا
      بالتأكيد دليل الخلق المقصود، ومع الأخذ بالحسبان هذه الحقيقة فإن بعض
      الفلكيين الماديين والفيزيائيين حاول تقديم تفسيرات بديلة ليعارضها، وقد صيغ
      قول عن نظرية الحالة الثابتة ليدل على صلابتها وتماسكها، وكان ذلك من قبل
      هؤلاء الذين لم يكونوا مرتاحين لفكرة الخلق من العدم، وهذا القول يتضمن كل
      الأدلة المناقضة وذلك في محاولة لدعم فلسفتهم المادية .
      يوجد عدد من النماذج الأخرى طورها ماديون قبلوا بنظرية الانفجار الكبير،
      لكنهم حاولوا إبعادها من فكرة الخلق، وأحد تلك النماذج هو "الكون ذو النموذج
      الكوانتي "، ولنتفحص هذه النظريات ولنفهم لماذا هي غير صالحة ؟.
      نموذج الكون الهزاز : طور هذا النموذج من قبل الفلكيين الذين لم تعجبهم فكرة
      أن الانفجار الكبير كانت بداية الكون، ويقضي ذلك النموذج بأن التمدد الحالي
      للكون سوف ينعكس أخيراً عند نقطة معينة ويبدأ بالانكماش والتقلص . وهذا
      الانكماش سوف يسبب انهيار واندماجاً لكل شيء في نقطة واحدة ،ومن ثم تعود تلك
      النقطة لتنفجر ثانية مستهلة جولة جديدة من التمدد، وكما يقولون فهذه العلمية
      تتكرر بشكل لا محدود مع الزمن، ويفترض هذا النموذج أن الكون عانى لغاية الآن
      هذا التحول عدداً لا نهائياَ من المرات، وأن تلك العملية سوف تستمر إلى
      الأبد، وبكلمة أخرى سيقى الكون سرمدياً خالداً رغم أنه يتمدد وينهار خلال
      فواصل زمنية مختلفة مع حدوث انفجار هائل يختم كل دورة، والكون الذي نحن فيه
      هو واحد فقط من هذه الأكوان اللانهائية والتي تمر عبر الدورة نفسها .
      هذا لا شيء لكنه محاولة واهنة غير مجدية كي يجعلوا حقيقة الانفجار الكبير
      تتلاءم مع أفكارهم حول الكون اللانهائية والتي تمر عبر الدورة نفسها .
      هذا لا شيء لكنه محاولة واهنة غير مجدية كي يجعلوا حقيقة الانفجار الكبير
      تتلاءم مع أفكارهم حول الكون اللامتناهي، وهذا السيناريوا المقترح من قبلهم
      لم يتم دعمه بنتائج الأبحاث العلمية التي جرت خلال الـ15 ـ 20 مضت والتي تشير
      إلى أنه ليس من الممكن لفكرة الكون الهزاز أن تظهر للوجود، والأبعد من ذلك هو
      أن قوانين الفيزياء لا تقدم أي سبب معقول يدعو لانفجار الكون المتقلص ثانية
      بعد انهياره في نقطة واحدة ؟ ولماذا لا يجب أن يبقى على ما هو عليه بالضبط
      بعد الانهيار ؟ كما أنهم لم يقدموا أي تفسير أو سبب يوضح لماذا يجب على الكون
      أن يبدأ بالتقلص في المكان نفسه .
      حتى إذا قبلنا بذلك فإنه يوجد بعض من الآليات والتي تقوم بعملها خلال دورة
      الانكماش والانفجار والتمدد وهي غير واضحة في هذا النموذج والنقطة الحاسمة في
      تلك الدورة هو أنها لا تستطيع الاستمرار إلى الأبد كما يتطلبه هذا النموذج،
      فقد بينت الحسابات وفقه بأن الكون بأسره سوف ينقل كمية من الأنتروبي إلى
      وريثه، وبكلمات أخرى فأن كمية الطاقة المفيدة ستصبح أقل من كل مرة، وسيكون كل
      فتح تالٍ للكون ( الانفجار) أكثر بطأً ومن نقطة أكبر قطراً، وهذا سيولد كوناً
      أصغر ثم تبدأ المرحلة التالية ... وهكذا، وأخيراً يتلاشى في اللاشيء وحتى لو
      كانت الأكوان المفتوحة أو المغلقة تستطيع أن تكون موجودة، فإنهم غير قادرين
      على التحمل حتى يصلوا إلى الخلود والسرمدية، وعند نقطة ما يصبح من الضرورة أن
      يخلق الشيء من لا شيء 9و هكذا يمكننا القول باختصار ما يلي : إن نموذج الكون
      الهزاز هو مجرد خيال جامح لا أمل فيه، وحقيقته الفيزيائية غير ممكنة .
      النموذج الكوانتي للكون :
      هو محاولة أخرى لتنظيف الانفجار الكبير من متطلبات التخلقية وتخليصها من
      حقيقة الخلق، وقد بنى الداعمون لهذا النموذج محاولتهم تلك على المشاهدات
      الكوانتية للفيزياء ما دون الذرية، ففي الفيزياء الكوانتية تمت مشاهدة جسيمات
      ما دون ذرية وهي تظهر وتختفي تلقائياً في الخلاء، وتعليل تلك المشاهدة هو أن
      المادة تنشأ عند سوية كوانتية مميزة تخص المادة وتلائمها، وقد حاول بعض
      الفيزيائيين تفسير أصل المادة من العدم خلال خلق الكون بطريقة مماثلة وعلى
      أنها حالة مميزة وتخص المادة، وتمثيلها على أنها جزء من قوانين الطبيعة ،ووفق
      هذا النموذج يفسر كوننا على أنه جسيم ما دون ذري لكنه أكبر حجماً على كل حال
      هذا القياس المنطقي بالتحديد هو خارج موضوع السؤال، وفي أية حالة لم ينجح هذا
      النموذج في تفسير كيف أتى الكون إلى الوجود، والكاتب ( وليام كرايج ) مؤلف
      كتاب " الانفجار الكبير، الإيمان والإلحاد " (The big bang:Theism and
      Atheism) يفسر ذلك بقوله :
      " الخلاء الكوانتي الميكانيكي والذي يقصد به الخلاء الذي يتم فيه توليد
      الجسيمات المادية هو معنى بعيد عن الفكرة العادية للخلاء ( والذي يعني هنا
      اللاشيء ) . والأغلب أن الخلاء الكوانتي هو بحر لتشكل وانحلال مستمر للجسيمات
      والتي تستعير بدورها طاقة منه لتنجز وجودها الكوني المختصر، وطبعاً هذا ليس (
      لا شيء ) وبالتالي فالجسيمات المادية لا تأتي إلى الوجود من لا شيء .
      إذن في الفيزياء الكوانتية لا توجد المادة إذا لم تكن موجودة قبلاً، وما يحدث
      هو أن طاقة مختفية تصبح فجأة مادة وكما اختفت تلك الطاقة فجأة تعود طاقة
      ثانية وهكذا، وباختصار لا يوجد شرط " للوجود من العدم " كما هو مطلوب وفق هذا
      النموذج.
      قال تعالى : (َأولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ
      وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ
      كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30) .
      قال تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ
      الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا
      فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الزمر:46) .
      ==================
     
      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق