الجمعة، 7 ديسمبر 2012

فرويد


فرويد - 

سيغموند فرويد (1858 - 1939)

ولد سيغموند فرويد (Sigmund Freud) في فرايبرغ (Freibberg) وهاجرت عائلته
إلى فينا (Vienna). عاش هناك حتى سنة 1938، وعندما ضم هتلر النمسا إلى
ألمانيا اضطر فرويد إلى تركها بسبب كونه يهودياً وعاش في لندن حتى وفاته بعد
ذلك بقليل.

درس سيغموند فرويد الطب في فينيا أولاً، ومارس هذه المهنة لسنوات عديدة.
ولاحظ صلة وثيقة بين بعض الأمراض وأنماط سلوك مرضاه. سافر إلى باريس في
1885 للتخصص هناك لدراسة ظاهرة الهستيريا والعلاج بالتنويم المغناطيسي. ثم
انتقل إلى مدينة نانسبي ليتتلمذ على أيدي العالمين الفرنسيين بيررنهام
وليبو في مجال التنويم المغناطيسي. وعاد فرويد بعد ذلك إلى فيينا لاستخدام
ما درسه في علاج مرضاه.

ألف فرويد كتبا عديدة دار معظمها حول ظواهر "الهستيريا" و"الأحلام"، و
"التحليل النفسي". وعرض فرويد نظريته في التحليل النفسي في جامعة كلارك في
الولايات المتحدة في عام 1909. وأسس جمعية التحليل النفسي في 1910 في فينا
وعمل منذ 1919 أستاذا في جامعة فينا. وعانى من مرض عضال منذ 1923 وحتى موته
في 1939.

يمكن إجمال موقف فرويد من الإنسان كما يلي: الإنسان هو كائن نفسي بجانب
كونه كائناً عضوياً. ورغم ما يبدو من ازدواجية في هذا التحديد، إلاّ أن كلا
"الكائنين"، العضوي والنفسي، يؤثر ويتأثر بالآخر، ومن الخطأ الاعتقاد أنهما
منفصلان انفصالاً كاملاً، فبعض الأمراض العضوية ترجع في أصولها إلى عناصر
نفسية. وقسم فــرويد الجهاز الــنفسي إلى ثلاثة: الـ (Id)، والـ (Ego)،
والـ (Super Ego). ويشمل الـ (id) كافة الغرائز الموروثة والتي توجد في
الإنسان منذ الولادة. واعتبر فرويد أن الـ (ego) بمثابة صمام يسمح أو يمنع
هذه الغرائز من تحقيق ذاتها. أما الـ (super ego) فتتضمن مجمل السلوكيات
التي تقننت شخصياً بسبب التربية البيتية أو اكتسبت شرعية اجتماعية وأصبحت
أنماط سلوك اجتماعية كالعرف والعادة وأشكال الحضارة، المادية منها
والروحية. وذهب فرويد إلى أن الجهاز النفسي يحدد السلوك بأشكاله وأبعاده
المختلفة سواء أخذ شكل الفعل الخارجي أو استبطن داخلياً.

كرس فرويد جزءاً من وقته في أواخر حياته لكتابة بعض الأبحاث التي تعدت مجال
علم النفس المحض. و"قلق في الحضارة" هو إحداها. ويطرح فرويد في هذا الكتاب
الصلة المركبة بين ظهور الحضارة وتقدمها وبين الجهاز النفسي وتأثير التقدم
الحضاري فيه.

فرويد: مختارات من "مختصر التحليل النفسي"


توطئة

الهدف من هذا المؤلف المقتضب جمع مذاهب التحليل النفسي لعرضها عرضا تقريريا
ان جاز القول، في أوضح شكل ممكن وأكثره تركيزا. ولم نرم فقط، بعملنا هذا،
إلى كسب ثقة أو انتزاع اقتناع.

إن تعاليم التحليل النفسي تنهض على عدد لا يقع تحت حصر من المشاهدات
والتجارب، ومن لم يتحقق، في نفسه أو لدى الآخرين، من هذه المشاهدات لا يملك
أن يصدر عليها حكما مستقلا.

القسم الأول: طبيعة النفسية
الفصل الأول: الجهاز النفسي

ينهض التحليل النفسي على مسلمة أساسية يقع على عاتق الفلسفة نقاشها، وإن
تكن نتائجها تبرز قيمتها. فما نسميه بالنفسية (أو الحياة النفسية) نعرف عنه
شيئين: أولاً العضو البدني لهذه النفسية، مسرح عملها، أي المخ (أو الجهاز
العصبي)، وثانياً أفعالنا الشعورية التي لنا بها معرفة مباشرة والتي ليس لأي
وصف أن يزيدنا بها علماً. أما كل ما يقع بين هذين القطبين فيبقى مجهولا لنا،
وإن يكن بينهما ارتباط ما فليس من شأنه أن يمدنا بأكثر من تحديد دقيق لموضع
السيرورات الشعورية، من غير أن يتيح لنا فهمها.

وتتصل فرضيتانا بهذين الحدين أو هاتين البدايتين لمعرفتنا. والفرضية الأولى
ذات صلة بتحديد الموضع. فنحن نسلم بأن الحياة النفسية وظيفة لجهاز نعزو
إليه امتدادا في المكان ونفرض أنه مؤلف من أقسام عدة. ومن ثم فإننا نتصوره
ضربا من مقراب أو مجهر أو شيئا من هذا القبيل. وبناء هذا التصور واستكماله
حدث علمي جديد، وإن كانت محاولات مماثلة قد جرت في هذا السبيل.

إن دراسة تطور الأفراد هي التي أتاحت لنا أن نعرف هذا الجهاز النفسي. ونحن
نطلق على أقدم هذه المناطق أو الهيئات النفسية اسم الهذا[1]؛ ويشمل مضمونه
كل ما يحمله الكائن الإنساني معه عند ولادته، كل ما هو متعين في الجبلة، أي
في المقام الأول الدوافع الغريزة الصادرة عن التنظيم البدني والتي تجد في
الهذا، من خلال أشكال مجهولة لنا، أول نمط من أنماط التعبير النفسي[2].

وتحت تأثير العالم الخارجي الواقعي المحيط بنا، يطرأ على شطر من الهذا تطور
خاص. فبدءا من الطبقة اللحائية الأصلية المزودة بأعضاء قادرة على تلقي
التنبيهات، وكذلك على اتقائها، قام تنظيم خاص وما لبث ان صار وسيطا بين
الهذا والخارج. وإنما على هذا الشطر من نفسيتنا نطلق اسم الأنا[3].

الخصائص الرئيسية للأنا

بنتيجة العلاقات التي تكون قد قامت بين الإدراك الحواسي والأفعال العضلية،
يتأتى للأنا ان يتحكم بالحركات الإرادية. ومهمته هي حفظ الذات، وهو يؤدي
هذه المهمة، فيما يتصل بالعالم الخارجي، بتعلمه كيف يتعرف التنبيهات،
وبمراكمته (في الذاكرة) الخبرات التي تمده بها هذه التنبيهات، وبتحاشيه
التنبيهات المفرطة في قوتها (بالهرب)، وبتوصله أخيراً إلى تعديل العالم
الخارجي على نحو موائم ولصالحه (النشاط). أما في الداخل، فهو يتصدى لمواجهة
الهذا باكتسابه السيطرة على مطالب الدوافع الغريزية، وبتقريره ما إذا كان
من الممكن إشباع هذه الدوافع أو ما إذا كان من الأنسب إرجاء هذا الإشباع
إلى حين مؤاتٍ أو ما إذا كان من الواجب خنقها أصلاً. ويخضع الأنا في نشاطه
لاعتبار التوترات الناجمة عن تنبيهات الداخل أو الخارج. فزيادة التوتر تسبب
بالإجمال ألماً، ونقصانها تتولد عنه لذة. بيد أن الألم أو اللذة غير منوطين
في أرجح الظن بالدرجة المطلقة للتوترات، بل بالأحرى بوتيرة تغيراتها.
والأنا ينزع إلى اللذة ويسعى إلى تحاشي الألم. وكل زيادة منتظرة، متوقعة،
في الألم تقابلها إشارة حصر، وما يطلق هذه الإشارة، من الخارج أو من
الداخل، يسمى الخطر. وبين الحين والحين، يقطع الأنا الروابط التي تربطه
بالعالم الخارجي ويخلد إلى النوم حيث يجري على تنظيمه تعديلاً مهماً. وتتيح
لنا حالة النوم ان نلاحظ ان نمط التنظيم هذا يتمثل في توزيع خاص معين
للطاقة النفسية.

وعلى امتداد فترة الطفولة المديدة التي يجتازها الفرد الناشئ ويكون عماده
في أثنائها على والديه تتشكل في أناه، كما بضرب من الترسب، هيئة خاصة تكون
بمثابة امتداد للتأثير الوالدي. هذه الهيئة هي الأنا الأعلى. وبقدر ما
ينفصل الأنا الأعلى[4] عن الأنا أو يعارضه، يشكل قوة ثالثة لا مناص للأنا
من أن يعمل لها حساباً.

ويعد صحيحاً كل تصرف يصدر عن الأنا ويلبى مطالب الهذا والانا الأعلى والواقع
معاً، وهذا ما يحدث حين يفلح الأنا في التوفيق بين هذه المطالب المتباينة.
ومن الممكن دوماً وأبداً فهم خصائص العلاقات بين الأنا والأنا الأعلى إذا
أرجعناها إلى علاقات الطفل بوالديه. ومن المحقق ان ما يؤثر في الطفل ليس
شخصية الأهل وحدهم، بل كذلك، وبوساطتهم، تأثير التقاليد العائلية والعرقية
والقومية، علاوة على مقتضيات الوسط الاجتماعي المباشر الذي يمثلونه. ويتأثر
أيضاً الأنا الأعلى للطفل، في أثناء تطوره، بخلفاء الأهل وبدائلهم، وعلى
سبيل المثال بعض المربين وبعض الأشخاص الذين يمثلون في المجتمع مثلا عليا
موقرة. ويتضح لنا ان الهذا والأنا الأعلى، رغم تباينهما الأساسي، تجمع
بينهما نقطة مشتركة، إذ يمثل كلاهما بالفعل دور الماضي؛ فالهذا يمثل أثر
الوراثة، والأنا الأعلى أثر ما تلقاه عن الآخرين؛ بينما يتعين الأنا في
المقام الأول بما خبره بذاته، أي بالعارض والراهن.

ان هذا المخطط العام للجهاز النفسي يصدق أيضاً على الحيوانات العليا التي
بينها وبين الإنسان وجه شبه نفسي. ويجدر بنا ان نسلم بوجود أنا أعلى حيثما
يتعين على الكائن الحي ان يمر في طفولته. كما لدى الإنسان بفترة طويلة من
الاتكال الطفلي. اما تمايز الأنا عن الهذا فواقع لا مماراة فيه.

ولم يعكف علم نفس الحيوان بعد على الدراسة الشائقة التي تبقى هنا متاحة له.

الفصل الثاني: نظرية الدوافع الغريزية
تعبر قوة الهذا عن الهدف الحقيقي لحياة الفرد العضوية وتنزع إلى إشباع
حاجات هذا الفرد الفطرية. ولا يُعنى الهذا بحفظ الحياة ولا باتقاء الأخطار.
فهاتان المهمتان الأخيرتان تقعان على عاتق الانا الذي يتعين عليه أيضاً ان
يكتشف أنسب وسيلة وأقلها خطراً للفوز بإشباع، مع أخذ مقتضيات العالم الخارجي
بعين الاعتبار. اما الانا الأعلى، فعلى الرغم من أنه يمثل حاجات أخرى أيضاً،
فإن مهمته الأساسية تبقى على الدوام كبح الإشباعات.

اننا نطلق على القوى التي تعمل خلف حاجات الهذا الآسرة، والتي تمثل في
النفسية المتطلبات البدنية، اسم الدوافع الغريزية. وهذه الدوافع محافظة
بطبيعتها، رغم انها تشكل العلة الأخيرة لكل نشاط. وبالفعل، ان كل حالة
يبلغها يوما الكائن تنزع إلى إعادة فرض ذاتها حالما تُترك. ويسعنا أيضاً ان
نميز عددا غفيرا من الدوافع الغريزية، وهذا ما هو واقع فعلاً. على أن ما
يهمنا هو أن نعرف ان لم يكن في الإمكان اختزال هذه الدوافع الغريزية
العديدة إلى عدد محدود من الدوافع الغريزية الأساسية. وقد تعلمنا ان
الدوافع الغريزية يمكن ان تغير هدفها (بالنقل)، وانها قابلة أيضاً لأن ينوب
بعضها مناب بعض، إذ يمكن لطاقة أحد الدوافع ان تتحول إلى دافع آخر. وهذه
الظاهرة الأخيرة لا تزال منقوصة التفسير. وبعد طول تردد وطول اخذ ورد، قر
قرارنا على التسليم بوجود غريزتين أساسيتين فقط: الايروس[5] وغريزة التدمير
(وتقع في نطاق ال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق